بعيداً عن أي أعمال بربرية وخزتْ بآثارها الضمير الإنساني، لبزوّغ فجر جديد يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة والتحرر من الخوف والاضطهاد، والدفع بالرّقي الاجتماعي قدمًا، ولتحقيق مستوى أرفع للحياة في جوُ من الحرية الإنسانية والتسامح والأخوة والعيش المشترك، كأسمّى ما ترّنو إليه أي نفس بشرية. وضع ميثاق الأممالمتحدة توصيات حول الطرق والوسائل التي تضمن حق تقرير المصير للشعوب، واوصة على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها، الذي جعلت بمقتضاهُ حقا وشرطاً ضروريًا للتمتع بجميع الحقوق الأساسية، وأنهُ يتوجب على كل عضو في الأممالمتحدة الاحترام والمحافظة على حق تقرير المصير للأمم الأخرى.
أذن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، وهي بمقتضى هذا الحق حرةٌ في أن تحدد مركزها السياسي وتحقق نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مُسترشدا بمقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة، والتي تؤكدان على حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى ضرورة قيام علاقات سلمّية وودّية بين الأمم. كما استرشد بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذان أعدتهما لجنة حقوق الإنسان .. فقد ذكر كلا العهدين حق تقرير المصير بنص موحد في مادتهِ الأولى بأنهُ لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمُقتضى هذا الحق حرةٌ في تقرير مركزها السياسي وحرةٌ في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمتعلقتين بحق الشعوب في تقرير المصير وخصوصًا الشعوب التي تخضع للاحتلال.
وقد تأيد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بصورة ثابتة في القرارات العديدة التي اتخذتها الجمعية العامة لمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المحتلة.. وهو القرار المعروف بخروج المحتل، ووضع هناك حدّ عاجل وغير مشروط للمحتل في جميع إشكالهِ ومظاهره من دون أي تمييز.. ولقد كان لهذا القرار أهمية خاصة، لأنهُ اتخذ أساسًا استندت عليه القرارات اللاحقة الصادرة عن الأممالمتحدة جميعها الخاصة بتقرير المصير .. لقد حقق تقرير المصير لعدد من الشعوب استقلالها السياسي، غير إن قلة من الدول الاستعمارية استمرت في نهج سيطرتها على ثروات وموارد الاقتصادية للبلد المُستعمر، ومن ثم اتضح إن إزالة هيمنة الاستعمار سياسيًا لابدّ وأن يتبعهُ إزالة هيمنتهِ على الموارد الطبيعية والاقتصادية، ومن هنا برز فكرة السيادة على الموارد الطبيعية وحق تقرير المصير الاقتصادي .. فأثيرتْ أمام لجنة حقوق الإنسان فكرة السيادة الاقتصادية وحق الدول في تأميم ثرواتها من يد المُستعمر، وأنهُ لا جدوّى من حرية تقرير مصير الشعوب ما لمْ تمتلك حرية التصرف في ثرواتها الاقتصادية والثقافية ..