كان الرئيس سالمين "يرحمه الله" يولّي اهتماماً كبيراً لتطوير الثروة الزراعية والحيوانية على السواء .. ففي عام 1970م قدّمت الأممالمتحدة (FAO) مشروعاً كبيراً في مجال الأبحاث والتدريب الزراعي بعدد كبير من الخبراء في مختلف التخصصّات في مجال الأبحاث والتدريب ووفّرت أجهزة ومعدات المختبرات في مجال وفحص وتحليل المياه والتربة ومختلف الأمراض الحشرية وسيارات وحراثات وأثاث المختبرات والمساكن وسيارات مجهزة بعرض الأفلام الزراعية والإشراف على المحطات الزراعية في الجمهورية وابتعاث المهندسين الزراعيين إلى أشهر جامعات العالم على نفقة الأممالمتحدة وعادوا بعد سنوات حاملين شهادات عالية في جميع التخصصات. وفي الداخل تم افتتاح كلية الزراعة بلحج تخرج منها طلاب الثانوية الزراعية أولاً وتم توظيفهم جميعاً لمساعدة الخبراء في المختبرات وحقول التجارب والمشاتل الزراعية قبل تخرج المهندسين حاملي شهادة البكالوريوس من الكلية. وتم افتتاح مركز التدريب الزراعي بجعار في مبنى دار الضيافة وكنت أول العاملين عند الافتتاح واختير لحضور الدورة قيادات محلية مشهود لها في النشاط الاجتماعي وقبول المزارعين لنصائح تلك القيادات الصادقة في أقوالها وأفعالها ومنهم: السيد / ناصر السقاف مأمور مودية وأحمد عبد الله الحافي من جوف مودية وأحمد بن أحمد الجعشاني من حريب بيحان وصالح أحمد مقبل عضو مجلس الشعب وعضو مجلس الرئاسة. ونفذت الدورة خلال الفترة من 15/6 – 15/12/1970م وكانت الدراسة مكثفة صباحاً ومساءً .. وكان الرئيس سالمين يحضر عصراً إلى مركز التدريب عند زيارته لدلتا أبين يرافقه المرحوم / محمد سليمان ناصر وزير الزراعة ويلقي محاضرات على المتدربين موضحاً الهدف الأساسي من عقدها وثقة الدولة المطلقة في تلك القيادات التي أسند إليها التنفيذ على أرض الواقع وهو الإرشاد الزراعي التعاوني على مستوى الجمهورية لرفع مستوى الإنتاج وتحسين المستوى المعيشي للشعب وتشغيل الأيدي العاملة. وفي إحدى زيارات الرئيس لوزارة الزراعة كلّف وزير الزراعة بنقل المتدربين والخبراء لزيارة مشاتل لودر ومودية ومكيراس للاستفادة من تجاربها الطويلة .. وكان مدير محطة لودر الأستاذ / سعيد عبد الله باعنقود "اطال الله في عمره" قبل سفره لمواصلة دراسته العليا في الخارج وعودته إلى مركز أبحاث الكود أولاً وشغل رئيس قسم وقاية المشروعات بمحطة أبحاث الكود بعد ذلك انتقل للعمل في كليّة الزراعة جامعة عدن وكان في استقبال الزوار مأمور مديرية لودر الأخ المناضل / محمد علي أحمد الذي رافق الزوار خلال تواجدهم في لودر وعند انتقالهم إلى مكيراس عبر عقبة "ثره" الشاهقة ذات المنعطفات ال 70 الملتوية عبر الصراط أخطر ممر .. والذي مع الأسف الشديد يسيطر على قمتها حالياً "اتباع الحوثي". وكان سائق سيارة الخبراء الأجانب هندي الجنسية موظف لدى مكتب الاممالمتحدة بخور مكسر ولما وصل بالقرب من منزل الحماطي أسفل العقبة دور السيارة عائداً إلى الوادي وأشرت له بالتوقف وسألته سبب عودته للخلف ورد قائلاً : بابا أحسن أعود بهم إلى عدن أفضل من نزولنا أموات من العقبة وكان يرتعش خوفاً من ارتفاعها. ومع قدوم الأخ / مأمور المديرية المرافق للوفد ترجّل من سيارته وصعد سيارة الخبراء وتولى قيادتها في العقبة وكان الهندي مغمض عينية .. حيث وصول الجميع إلى مكيراس بسلام وسهّل مهمة الفريق واتخذ دار الضيافة سكناً وواصل الخبراء والمتدربين زيارة مشاتل الحكومة في عريب ومكيراس وأيضاً زاروا مزارع فلاحين لهم تجارب واسعة في مجال زراعة الخضار والفواكه منذُ تواجد الخبراء الإنجليز في مكيراس وأشهر العاملين في المشاتل الزراعية كان المرحوم / صالح علي جبر البركاني الذي التحق كعامل في مشتل مكيراس وهو في مقتبل العمر ومرات عديدة كان يطلب حضوره إلى جعار لمرافقة المتدربين إلى الحقول للتدرب معهم على أحدث الطرق الزراعية. حتى إن بعض الخبراء صرّحوا باستفادتهم من خبراته إضافة إلى خبرات المرحوم علي محسن الفقير الذي كان يملك مزرعة في شمال مدينة جعار وكان يزرع محاصيل جديدة لأول مرة في المنطقة مثل شجرة الكركدية وقسم لتربية الأبقار ووجهت المتدربين في المركز لزيارتها .. وبالمناسبة علي محسن الفقير من أسرة المرحوم الرئيس "سالمين". وكانت مكيراس المصدر الأول والرئيسي للخضار والفواكه لجنود القاعدة البريطانية في عدن حيث كانت تهبط الطائرة باكراً صباح كل يوم في مطار مكيراس وتعود محمّلة بالخضار والفواكه إلى عدن. عاد فريق المتدربين والخبراء من مكيراس إلى جعار وإذا بتعليمات الرئيس قد صدرت بنقلهم لزيارة حضرموت وأرسلت السيارات براً لاستقبال الفريق في مطار الريان ونقلنا جواً إلى الريان برفقة المرحوم / محمد عوض باعامر مدير عام الزراعة وهو من أبناء حضرموت بهدف تسهيل مهمة الفريق في زيارة حضرموت ومباشرة من المطار تم زيارة تعاونيتي الشحر والمكلا السمكية .. وفي اليوم التالي زيارة تعاونية غيل باوزير الزراعية والتوجه براً شمالاً إلى سيئون. ونزل الخبراء دار الضيافة والمتدربين فندق سيئون الوحيد في ذلك الزمان وكان المرحوم بإذن الله محمد علي هيثم الهندي المكلف في ذلك الوقت لرئاسة مجلس الوزراء في استقبالهم وكان يقوم بمهمة ترتيب الوضع في وادي وصحراء حضرموت ، وبعد زيارة جميع تعاونيات الوادي عاد الفريق إلى الريان وكانت الطائرة في الانتظار لتنقلنا إلى عدن وعادت السيارات براً إلى جعار . وكان الرئيس سالمين يتابع باهتمام بالغ نشاط هذه الدورة التي يطلق عليها الأمل بتنفيذها ، وبعد ثلاثة أيام من عودة الرحلة إلى حضرموت حضر الرئيس سالمين إلى المركز قادماً من الفيوش أكبر مزارع الدولة مساحة والمزروعة قطناً وقد ظهر على نبات القطن إصابات وأمراض حشرية وطلب نقل المتدربين إلى خيم في أطراف المزرعة للدراسة والسكن وكان يصحوا المتدربون فجراً والقيام برش المبيدات على أشجار القطن من الساعة الثامنة صباحاً ثم حضور الخبراء لإلقاء المحاضرات من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر ويواصل فريق الرش من الساعة الرابعة عصراً حتى السادسة مساءً ، وبعد عشرة أيام في مزرعة الفيوش وفي ساعة متأخرة من الليل حضر الرئيس سالمين إلى المزرعة عائداً من أحور وكانت السيارات محملة بجواني دمان مخلفات الطيور من منطقة بندر أحور التي تتواجد فيها الطيور طوال السنة لوجود موقعها على البحر وأنزل الجنود الجواني من سياراتهم وسيارة الرئيس سالمين المرسديس المحمّل خانتها بجواني الدمان .. وكلفني يرحمه الله بتسليم الجواني صباحاً لمدير المزرعة المرحوم علي عباد "يرحمه الله" وقال سالمين أخبره أن يسمّد عشرين فدان بمخلفات الطيور وعشرين فدان أخرى بسماد كيماوي ومساحة 20 فدان تسمّد بدمان بقر مزرعة الفيوش ونهاية الموسم برصد إنتاج كل عشرين فدان على حدة ويرسل التقرير لوزارة الزراعة منسوخاً للرئاسة [ حسّك تنسى .. حسك تنسى ]. الا ليت الشباب يعود يوماً **** لأشكو له بما فعل هذا الزمان