قبل أيام جمعتني الصدفة بعدد من رجال ردفان الأبطال في منزل أحد مؤسسي جمعية ردفان الأبية المناضل / محمد صالح المشرقي وكان أغلب الحديث عن بدايات تأسيس هذه الجمعية وكيف كانت الصعوبات ماثلة أمام مؤسسيها وأيضاً حجم التحدي الذي أخذته على عاتقها في جمع ولمّ الشمل الجنوبي تحت مبدأ التصالح والتسامح ، وكان حديثنا مفيد ومشوق من كل الحضور ، ولأني لم أدلو بدلوي بما فيه الكفاية فقد وجدتُ أصابع يدي تنجر وراء قلمي ليستوفي على الورق مالم أتحدث به في ذلك المنزل عن هذه الجمعية فقد تذكرت الزمن الذي ذهب ولن يعود والتي لا زالت آلامه ومآسيه عالقة في أذهان أبناء الجنوب فقد أحكم المحتل قبضته على كل المقدرات الجنوبية وفرض طوقاً أمنياً لا يستطيع أحد الإفلات منه ولم يستثني أحد من الجنوبيين ، وكانت تهمة الانفصالي تقديراته فهو كان يعتقد أن أبناء الجنوب سيقبلون بذلك الواقع المزري وأنه سوف يستمر في نهب موارد الجنوب وثرواته، وأن سياسة الإقصاء والتهميش التي أتّبعها ضد الكفاءات الجنوبية والملاحقات اليومية للشرفاء والتي يقصد منها أذلال الجنوبيين وإرغامهم على قبول الأمر الواقع كل ذلك كان عاملاً مساعداً في صحوة أبناء الجنوب والبحث عن سبل ومعالجات تبعد عنهم شر ذلك ، وهذا ما تشرفت به جمعية ردفان التي كانت تستقبل أبناء الجنوب من كل المحافظات لتدارس الأوضاع ووضع الحلول المناسبة لذلك . فقد أجمع أبناء الجنوب ومن خلال هذه الجمعية على إطلاق مبدأ التصالح والتسامح عام 2007 هذا الفعل الذي أورق المحتل وعمل كل الوسائل للحد من الالتفاف حوله لأنه كان يعرف أن هذه البداية وهذا المبدأ سوف يكبر ، وفعلاً قد كبر مبدأ التصالح والتسامح في قلوب الجنوبيين وكان الساس القوي الذي على أثر إعلانه انطلق الحراك الجنوبي بكل مكوناته تعبيراً عن الرفض للاحتلال وعلى الرغم من أن الحراك الجنوبي ينتهج السياسة السلمية في نضاله إلا أنه شهد أبشع صور التنكيل والقتل لأبنائه ولم يثني ذلك الجنوبيون ولم يرهبهم فقد استمر الجنوبيون في رفضهم المطلق لذلك حتى تم تحرير أرضه وتطهيره من قوات الاحتلال وأصبح الوطن الجنوبي تحت السيطرة ولم يبق أمام أبناء الجنوب إلا الحفاظ على ذلك المنجز والدفاع عنه . إن الصدق ونكران الذات التي يتحلى بها أبناء جلّ ردفان هي ما جعلت آباءنا ونحن من بعدهم نحترم هذه المنطقة وابناءها ونتعشم فيهم خيراً فقد كانت انطلاقة ثورة 14 أكتوبر الخالدة من جبال هذه المنطقة والتي كانت مفتاح النصر لتأسيس الدولة الجنوبية الأولى التي استمرت من 67 حتى 90 هذه الدولة التي صدع ذكرها وعلا على مستوى العالم وقد كانت دولة نظام وقانون وكانت ضامنة للمواطن حقه في العيش الكريم والتعليم والعمل حتى استطاعت الاستخبارات الخارجية إشعال نار الفتنة ما بين رفاق الدرب وظل كل منهم يصفي الآخر حتى انهارت هذه الدولة الفتية، ولم يجد حكام تلك الدولة من حل سواء الهروب نحو وحدة غير مدروسة ولا تليق بشعب عرف المدنية منذ عشرات السنين ليتوحد مع نظام لا يزال يمارس الهمجية إلى يومنا هذا ، هذا العمل الغير واقعي وغير أخلاقي ما دفعنا ثمنه لفترة ربع قرن من الزمن وسنظل نعاني منه طويلاً إذا لم يضع الجنوبيون مصلحة الوطن قبل مصالحهم الشخصية والجهوية ، حيث أن المناطقية والجهوية هي ما كانت سائدة في أواخر دولة الجنوب السابقة وهي تعتبر سبب رئيسي لانهيارها وهذا الذي لا يرجوه أبناء الجنوب ولن يتكرر معهم فقد سئمنا إقصاء الناس والتقليل من أدوارهم ولنبدأ عهد جديد يعطي كل ذي حق حقه. إن ما يرسخ دعائم الأخوة ما بين الجنوبيين هو التمسك بخيار التصالح والتسامح الذي لا بديل لأبناء الجنوب غيره، وأن يحذر الناس من الذي يتربصون الفرصة لإشعال الفتن، والذين يريدون شق الصف لافتعال الإشعاعات ونبذ الفرقة لكي نفوت الفرصة على من يجدون سلوتهم في أي فعل من شأنه زعزعت الأمن والاستقرار أو خدش جمال التجربة التي يحاول أبناء الجنوب إرساءها والتي لا محالة سوف تنتصر بتكاتف الجميع.