يتميز المجتمع اليمني بأنّه مجتمع قبلي، تقليدي، مُحافظ. كانت القبيلة هي الحاكم الفعلي في اليمن وهي من يٌدير دفة الحكم في هذا البلد العربي المعروف بجذورة القبلية التقليدية الضاربة في جذور التاريخ لأكثر من عشرة الف سنة. أحتدم الصراع في العقود السبعة الماضية بين الطبقة الهاشمية وزعماء القبائل على كرسي الحكم. فكلما نشبت الحرب كان الضحية هو إبن القبيلة الغير مُتعلم والمغلوب على أمره. كان الهاشميون يستخدمون القبائل لضرب بعضهم البعض، من أجل أنّ يظلوا في تناحر ولا يفكروا مطلقا في مُستقبل أبنائهم. كانت الهاشمية تشجع الصراعات القبلية والثارات. لقد تركت الإمامة جرح غائر في كل قبيلة خاصة في مناطق الشمال.. لم تعرف القبيلة في هذا البلد الجريح مرحلة الإستقرار ولو حتى لعقد من الزمن. ثار اليمنيون على حكم الإمامة في ستينيات القرن الماضي، وانتصروا بدعم من أشقائهم العرب، وخاصة جمهورية مصر العربية. كان قادة ثورة سبتمبر من أبناء القبائل. استبشر اليمنيون خيرا بهذه الثورة المُباركة. لكن، الثعابين من أبناء بعض القبائل اليمنية لم يتركوا أحرار ثورة سبتمبر يبنوا الوطن. تآمر الثعابين على قادة البلد، واغتالوهم، ودفنوا معهم مشروع الدولة اليمنية الحديثة. حدث هذا في سبعينيات القرن الماضي. حكم هؤلاء الثعابين اليمن، ونهجوا نفس نهج الإمامة في نشر الثارات القبلية. لم يختلف اولئك عن الإمامة، إلا أنّهم كانوا يغطوا على جرائمهم بثوب الجمهورية. لا أستطيع أن أٌعدد الثارات القبلية في اليمن، إلا أنني أذكر منها البعض، على سبيل المثال لا الحصر، وهو (غيض من فيض )، الثار بين قبيلةعذر وقبيلة العصيمات، وهذه القبائل تنتمي الى قبيلة حاشد اليمنية، وهي قبائل معروفة بتاريخها النضالي. استمرت الثارات بين هاتين القبيلتين لعقود من الزمن. كانت القيادة السياسية مُمثلة بالرئيس السابق وحاشيته من مشائخ اليمن لا يكترثون لهؤلاء، ولا لمشاكلهم. نستطيع أنّ نقول، أنّ النظام السابق كان يتعمد نشر الثأر بين هذه القبائل، لإنّه يوجد في تلك القبيلتين مقاتلين أشداء. كان الأجدر بالنظام السابق أنّ ينشر ثقافة التسامح، والتعليم، والتنمية، بدلا من زرع ثقافة الثأر، لكنه، لم يفعل. أستخدم النظام السابق السيناريو نفسه في أغلب المحافظات القبلية الأخرى، خصوصا في المناطق الشرقية، والشمالية، وبعض اجزاء المناطق الوسطى. همش النظام السابق مناطق هذه القبائل لتمرير أجندته ومخططاته. كان يزج بأبناء القبائل في حروب عبثية كي يتخلص منهم ومن معارضيه. على سبيل المثال، راح المئات من أبناء هذه القبائل في حروب المناطق الوسطى نهاية سبعينيات القرن الماضي، ثم حرب صيف1994 ،ثم أستخدمهم إبان حربه مع الحوثيين في الحروب الست 2004-2009. راح الالاف القتلى في تلك الحروب العبثية. جاء الحوثي، الذي ينتمي للطبقة الهاشمية، في العام 2014، واستخدم أبناء قبيلة حاشد لمقاتلة إخوانهم في في محافظة عدن، والظالع، ولحج، وأبين، وعمران، وصنعاء، وتعز، ومأرب، والجوف، وشبوة، والبضاء. نهج الحوثي نفس النهج الذي أتّبعه النظام السابق بقيادة صالح، وأركان حكمه من المشائخ، وهم معروفون لدى القاصي والداني. لا داعي لشرح مزيدا من التفاصيل وكشف أسماء المشائخ بالأسم واللقب، الذين كانوا يعتبرون من أكثر وأهم داعمي حكم صالح، وللأسف كان أغلب هؤلاء المشائخ من قبيلة حاشد التي أصبحت ضحية لحروب عبثية. أستغل الحوثي نسبة الأمّية المتفشية بين أبناء القبائل واستخدمهم لتمرير مشروعه الطائفي السلالي. أحس الحوثي بالخطر على مستقبله في المناطق التي يسيطر عليها فبداء بإستخدم قاعدة "فرق تسد." على سبيل المثال، يوجد اليوم أكثر من حرب قبلية في محافظة عمران، وسلطة الأمر الواقع لا تحرك ساكن ولا تنتصر لمظلوم. تضع سلطة الأمر الواقع أبناء قبائل عمران بين خيارين إمّا خيار الإلتحاق بجبهاتهم أو زعزعة الأمن في مناطقهم من خلال إذكاء الخلافات القبلية. نجحت حركة الحوثي في إذكاء الصراعات القبلية وضرب القبائل ببعضهم البعض مثلما كان يفعل النظام السابق. لا نعرف، هل قدر أبناء القبائل هو القتل والخراب والدمار؟! في كل حرب وأبناء القبائل هم الضحية. إذا لم يكونوا ضحايا حرب فهم ضحايا ثارات قبلية مٌقيتة. لماذا لا تُحل مشاكل أبناء القبائل ويوقف نزيف الدم في مناطق النزاعات القبلية؟ هناك صور مأسأوية، ومُخيفة، ومُفجعة تحصل يوميا في أكثر من منطقة. أين عقلاء ووجهاء القبائل؟ ! ما موقفهم من كل ما يحصل؟. لماذا هذا الصمت المريب؟! نريد لغة التسامح والحوارفي فض النزاعات القبلية وليس لغة البندقية. العنف لن يؤدي سِوى إلى مزيداً من الخراب والدمار في مناطقنا. الألم يعتصر قلوبنا على كل مواطن راح ضحية حرب قبلية أو عبثية كالتي يخوضها طرفا الإنقلاب ضد الشرعية اليمنية. نشعر بالغبن والقهر خصوصا على النساء والأطفال الذين هم وقود هذه الحرب العبثية. قُتلت أمس إمرأة خلال إندلاع إشتبكات في إحدى المناطق القبلية بمديرية قفلة عذر، محافظة عمران. هذه المرأة المغلوب على أمرها كل جرمها أنّها كانت تُريد أن تنقذ أخ لها من الموت، لكن، مجرمي الحرب لم يسمحوا لها بذلك بل أردوها قتيلة هي وأخيها. تركت هذه المرأة المسكينة ثلاث بنات يتيمات، ليس هناك من يعيلهن، لا أب، ولا أخ، ولا أم. هذه حالة من مئات الحالات المأسأوية التي تحدث في اليمن الحزين. يعيش المجتمع اليمني اليوم أسوأ مراحل تاريخه. لقد نجح الحوثي في خلخلة القبيلة وأضعف دور مشائخها وقلص حضورهم الإجتماعي، وضرب الأحرار ببعضهم البعض، وجعلهم ضعفاء لا يستطيعون أن يحركوا ساكنا، واستبدلهم بأطفال يمارسون القتل، ولا يوجد من يردعهم ويحاسبهم على جرائمهم. نأسف ونتألم على الحالة التي وصلت إليها القبيلة اليمنية، التي كانت مثالا للنخوة، ونصرة المظلوم، والعزة، والكرامة. لكن، على سلطة الأمر الواقع أن تفهم بأنّ مشروعها التدميري سيهزم في القريب العاجل. ستستعيد القبيلة عافيتها وستلملم جراحها وستعيد بناء النسيج الإجتماعي الذي فككته مليشيات الموت ،وستبني ما دمرته المليشيات الطائفية، ولن يكون أبنائها إلا حملة فكر، ونور، وقادة مجتمع مدني، يؤمنون بالعدل، والمساوة، والمواطنة، طال الزمن أو قصر، والأيام القادمة بيننا. حفظ الله اليمن وأهله، والخزي والذل لحملة الفكر الطائفي وتجار الحروب أينما كانوا. ك