قبل قيام إدارة ترمب بالضربة الصاروخية على القاعدة الجوية في سوريا بوقت طويل وإنزال أكبر قنبلة مدمرة غير نووية على أفغانستان، كانت قد قامت بعدوان عسكري على اليمن. ففي أواخر يناير، وبعد أسبوعين فقط من التنصيب، أمر الرئيس ترمب بغارة جوية على أهداف اشتبه بها للقاعدة في تلك البلاد. أصبحت تلك العملية مشينة السمعة بسبب قتل أحد البحارة الأمريكيين لكنها أتبعت بهجمة عسكرية أمريكية أخرى على جحور الإرهابيين في اليمن. لكن سواء كانت واشنطن أو لم تكن متورطة بسياسة كبيرة في اليمن، تحتاج أمريكا إلى التعامل مع الصراع الصعب الذي تشوبه مصالح صعبة في تلك الدولة، مما يجعل الحرب على الجماعات الإرهابية أكثر صعوبة. بدأت الأزمة عام 2011 عندما وصل الربيع العربي إلى اليمن. محاكاة للثورة التونسية، طالب محتجون من لأحزاب السياسية المعارضة برحيل الرئيس علي عب الله صالح في ذلك الوقت والذي حكم البلاد منذ أن توحدت اليمن عام 1990. وفي العام التالي، أجبر صالح على التخلي لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي. وتحمل هادي مسئولية الحكومة الانتقالية التي نصت عليها عملية الحوار التي أتت ضمن المبادرة الخليجية. لكن معقل هادي في تلك الدولة كان قصيرا. ففي سبتمبر عام 2014 أجبر المقيم الجديد على الهروب إلى الجنوب بعد أن استولى المتمردون الشيعة المسمون بالحوثيين على قصره الرئاسي والعاصمة صنعاء. حاول هادي نقل عاصمته إلى المدينة الجنوبية الساحلية عدن، لكن في بداية عام 2015، أجبر على الهروب لمنفى في الرياض، والتي استقر فيها رغم زياراته النادرة لعدن. وفي تلك الغضون، بدأ صالح بممارسة نفوذا متزايدا على الحوثيين في صنعاء تاركا بصماته على قيادة مؤسستهم وملء منصب له في حكومة المتمردين عبر رجاله. ومع ذلك، لا تزال اليمن تفتقر إلى سلطة مركزية فاعلة. حيث لم يستطع لا المتمردين في صنعاء ولا حكومة هادي في عدن السيطرة على كامل البلاد. ترجمة خاصة بصحيفة "عدن الغد" ويمكن تتبع سبب هذه الحرب الأهلية المعقدة إلى الانقسام الماضي بين الشمال والجنوب. وبينما توحدت اليمن عام 1990، كان الجنوب الغني بالموارد يعبر عن استيائه حيال ما يرى على أنه استغلال غير عادل لثروته من قبل حكومة صالح في الشمال، التي تقع فيها العاصمة صنعاء. وعزز ملاحقة صالح للمحتجين الجنوبيين مطالب الانفصال من قبل قادة الجنوب. وعندما خلع صالح عام 2012، وعد الحوار الوطني الذي عقب خلعه بتضميد هذه الجروح القديمة. ومع أن الرئيس هادي نفسه هو من الجنوب فقد رفع من آمال رفاقه الجنوبيين. والان ورغم المفاوضات المطولة (الحوار الوطني) لم تستطع هذه المحادثات انتاج اتفاق حول الحالة السياسية للجنوب: حيث قاطع عدد من القادة الجنوبيين المفاوضات ورتبوا حملة انفصال وعندما توصل الحوار في النهاية إلى اتفاق الأقاليم مع سلطة محلية موسعة للجنوب، لم يستطع سن تفاصيل انتقال السلطة. واستنفد فشل الحكومة الانتقالية واستيلاء الحوثيين على صنعاء، التي يسيطر عليها صالح، صبر الجنوب. والان ومع بقاء هادي بعيدا في الرياض، تقول تقارير أن زعماء الانفصال تمكنوا من السيطرة على الواجهة السياسية في الجنوب دون وجود تسوية في المشهد. وحتى في عدن اليوم يبدو اتفاق المرحلة الانتقالية ميتا مع قيام محافظ عدن ومدير الأمن بأعمال موازية لغزوات الحوثي. واقتبس كلام لأحد الجنوبيين قائلا:" جلب هادي الحوثيين إلى عدن ثم جلب القاعدة، لذلك لن نكون أغبياء في الاستمرار في تصديقه." ووسط كل هذا، يسعى المجتمع الدولي جاهدا لإنقاذ حكومة هادي المشلولة والتي يتعذر علاجها- رغم أن معظم الرأي العام عبر الدولة ضده. وتستمر القوات السعودية بقصف أراضي المتمردين في الشمال مما يسبب دمارا كبيرا دون تحقيق شيء يدعم الحكومة الانتقالية. ووضعت قرارات الأممالمتحدة عقوبات على المتمردين الحوثيين ورددت مرارا دعوتها لتطبيق اتفاق المرحلة الانتقالية بالكامل وهو الأمر الذي يعيد هادي إلى السلطة. لكن يبدو أن الإيرانيين أيضا قد عزموا على عدم تمكين الحكومة المدعومة سعوديا من أن ترى نور النهار. ففي الأشهر الماضية القليلة، كثفوا من دعم المتمردين الحوثيين بالأسلحة ليحولوا المعركة اليمنية إلى مسرحا للحرب الباردة في الشرق الأوسط. ومع بقاء هادي في المنفى وسيطرة الانفصاليين على حكومته في عدن، يبدو أنه من غير المقنع في هذه اللحظة أن يترك الإيرانيون هذه المعركة للسعودية. ومع كل هذه الفوضى سالفة الذكر، فإن حرب أمريكا على القاعدة وداعش تحت الخطر. فمن ناحية تريد واشنطن إبقاء تحالفها مع دول الخليج الذين يحاربون لإنقاذ اتفاقيات المرحلة التي سنتها مبادرتهم. وكما أشار وزير الدفاع الأمريكي السابق في الأطلنطي مؤخرا عندما زار الأمير محمد بن سلمان الولاياتالمتحدة الشهر الماضي فرش له السجاد الحمراء وطويت بعده. ومن ناحية أخرى لن تتحمل واشنطن تطويل الحرب في اليمن بدون سبب وأن تدع مقاتلي داعش يأخذون موقعا لهم بسبب عدم الاستقرار والفوضى في البلاد مع فقدانهم الإقليم في سوريا. وفي أغسطس الماضي، قال تقرير للأمم المتحدة أن كلا من القاعدة وداعش قد بدأوا في الحصول على مواطئ أقدام لهم في المناطق الجنوبية والشرقية في البلاد. قد يكون التحدي لترمب هو إقناع التحالف الذي تقوده السعودية بحقيقة أن حكومة هادي المدعومة من السعودية لم تعد قادرة على تولي السلطة. وأن دعم العمليات العسكرية التي لم يعد لها هدف سواء لفظيا أو عسكريا سيعزز جذور المصالح الإيرانية في البلاد ومن ثم لن ينتهي الصراع. وإذا ما أراد ترمب أن يتخلص من المليشيات في اليمن، عليه أن يوصل طرفي الحرب الباردة في الشرق الأوسط إلى اتفاق حول حكومة. • الكاتب باحث في الشئون الدولية في جامعة كلومبيا ومحرر للشئون الدولية في مجلة كلومبيا. ويكتب لصحف الدبلوماسي، والهند اليوم، وهوفبوست الهند.