بقلم : أحمد باحمادي اغترب بعيداً عن موطنه لأعوام، قاسى مرارة البُعد لأجل لقمة العيش، ومع اقتراب رمضان عاد إلى مسقط رأسه .. النقعة .. سألته : ماذا يعني لك ( رمضان النقعة ) ؟ أجابني : كان الجو لطيفاً حينما أهلّ في نقعتي الحبيبة هلال رمضان المبارك، آه .. كم أحببتُ ( رمضان النقعة ) لأن له طعم مختلف ونكهة أخرى، ليت شعري، ليس أي رمضان جميل في نظري ك ( رمضان النقعة ) البديع. سألته : إذاً الأمر جِدّ مختلف، فأنت تحمل في قلبك عواطف جياشة أذكتها حرارة الغربة ؟ أجابني : أجل .. ذكرياتي جياشة ومفعمة بالحب ل ( رمضان النقعة )، تشعر فيه بأسباب التواصل والعطاء، وتنفتح في جدار الحبّ نافذة ( عُكْرة ) مضيئة يتبادل الجيران منها فيما بينهم أكلات رمضان اللذيذة، وعاء من شربة رمضان الفوّاحة بالتوابل نتلقاه بالترحاب بأيدٍ مفتوحة، مثلث سحري ذهبي من ( السانبوسة ) تقبّله الشفاه وإن فاحت منه رائحة البصل، ولا ننسى حلاوة ( المطبّق ) تلك الحلاوة التي تذكرنا بحلاوة لسان حبيب طالما عشقنا كلماته الحلوة وابتساماته العذبة. قلت : ما أجمل ذكرياتك عن ( رمضان النقعة )! .. زِدني إذا تفضّلت. ردّ : ( رمضان النقعة ) يحمل إلينا ذكريات رائعة تذكرنا بالطفولة والصبا، ذكريات ( السحور ) التي نقوم إليه فرحين بعيون مغمضة، وأفواهٍ يملؤها التثاؤب، وأجساد صغيرة أضناها النعاس، لنمضي في رحلة الحياة شباباً فكهولاً والرحلة لا زالت مستمرة .. العقول لم تبرح غارقة في ذكريات جميلة محفورة في بواطننا. سألته : وهل لا يزال في قلبك أمل أن نعود إلى رمضان الذكريات ؟ أجابني : يراودني الأمل أن المستقبل سيشرق من جديد، ومثلما ينشقّ فجر جديد ليوم جديد من رمضان، فإن قادمنا سيكون أحلى، وفي رحاب ( الجامع ) الحبيب سنلتفّ إخوة متحابين حول مئذنة تحلّق فوقها أطيار الفرح، مئذنة يعانقها تاريخ مجيد لأجداد زرعوا فينا الشموخ والمحبة، ثم غادروا هذا العالم متأكدين بأنهم قد خلّفوا أجيالاً ينشرون المحبة والسلام. سألته : وماذا عمّن يأبون المحبة، ويسعون للفرقة والشتات ؟ ردّ ( والحزن بادٍ على محياه ) : مهمتنا يا أخي أن نسعى جاهدين كي نحقق الأمنيات، ونزرع الأمل، ونمطر النقعة بغيث التعاون والتكافل، ولمن لا يريدون ذلك .. أقول لهم : كونوا كما أنتم، لكن لا تحجبوا أشعة الشمس، وإنكم لو فعلتم لما استطعتم، وفي النهاية كنتم أنتم الخاسرون.