بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِيجنتي ) صدق الله العظيم . اتصل بي العديد من الاصدقاء لإبلاغي بالنبأ الحزين في وفاة الصديق الكريم البروفيسور وفقيه القانون في اليمن أ0د/ محمد أحمد لكو , الذي قابل ربه الأعلى وأسلم اليه روحه الطاهرة بمدينة القاهرة في جمهورية مصر العربية ، بعيداً عن الوطن و عن مسقط رأسه مدينة عدن . أحزنني النبأ وآلمني الخبر ، لأن البروفيسور/ لكو , صديق عزيز ، عرفناه منذ أن كنا طلاباً قبل أربعون عاماً في نهاية السبعينات من القرن العشرين في جامعة عدن وكان الفقيد العزيز يشغل في حينها نائباً لرئيس الجامعة للشؤون الإدارية والقانونية والمالية ، ويعد من ابرز مؤسسيها الأوائل ، و الفقيد من نسل سليل أسرة يمنية عدنية مناضلة ، مكافحة في مجالي العلم والعمل الوطني السياسي , فقد قدمت الكثير من النضالات والمواقف الإنسانية الوطنية الكبيرة منذ مرحلة الكفاح المسلح ابان الحقبة الإستعمارية البريطانية مروراًً بالمرحلة الثورية في مطلع السبعينات وصولاًً إلى مرحلة الوحدة اليمنية المباركة ، حيث قدمت هذه الاسرة العدنية العديد من الشهداء دفاعاً عن الثورة والجمهورية والوحدة . تميز الفقيد بسعة علاقاته الاجتماعية والسياسية ، كيف لا ؟ وهو أحد أعيان مدينة عدن و ابرز رموزها العلمية والثقافية ، وكان له حضوره المميز في المجتمع العدني المدني , في المجالات الرياضية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني وفي المجال السياسي والحزبي. وبالعودة لسيرته العلمية والمهنية ، كان الفقيد من أوائل القضاة في محاكم عدن الناجحين بُعيد الإستقلال الوطني مباشره ، بعدها عُين نائباً لرئيس جامعة عدن ، وعميداً لكلية الحقوق بالجامعة لعدد من الدورات الزمنية ومديراًً عاماً للعلاقات الدولية وللشؤون القانونية لسنوات طوال ، وله نشاطه السياسي والمجتمعي المميز في قيادة الخلايا الفدائية السرية للتنظيم السياسي للجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل وبعدها عضواً قيادياً متوسطاً بالحزب الاشتراكي اليمني وبعد الوحدة اليمنية المباركة بدأ نشاطه التنظيمي بالإنتساب لحزب المؤتمر الشعبي العام وكان عضواًً في اللجنة الدائمة الأساسية للمؤتمر إلى يوم وفاته . أتذكر إننا عشنا معاً في سكن متجاور للطلاب في جمهورية ألمانيا في منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، في مدينة لايبزج العريقة أثناء دراستنا ، وقد تميز الفقيد بخصال الاخ والصديق والمرشد لكل الطلاب اليمنيين الجدد القادمين من كل المدن اليمنية في شمال الوطن وجنوبه في زمن التشطير البغيض ، بأعتباره قد سبقنا إلى بلد الدراسة بأعوام ، نعم كان يساعد الجميع دون تمييز أو استثناء لأنه كان يتصف بخصال القائد الإجتماعي في مدينة لايبزج حتى أنه كان يطلق عليه لقب (محافظ مدينة لايبزج) لشدة التصاقه بالقضايا الطلابية و يعالج ويحل همومهم ومشاكلهم الدراسية والمعيشية . نعم كنا زملاء وأصدقاء عن قرب مُنذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمان ، لم أعرف منه وعنه في رحلتنا هذه سوى مواقف الوفاء للعلاقات الأخوية والكفاحية ، ويتحلى بموقف صلب وثابت في قناعاته السياسية الوطنية ، ولم أراه قط يوماًً متلوناًً أو كاذباًً أو نفعياًً انتهازياًً في تحديد موقفه تجاه مبادئه التي التزم بها وناضل من أجلها مُضحياً بوقته وجهده وأعصابه وبمدخراته المالية الشحيحة ، نعم هكذا كان الصديق البروفيسور/ محمد لكو , رحمة الله عليه 0 الفقيد خسره الوسط الأكاديمي أستاذاًً وباحثاً جادً وخسرته عدن كشخصية إجتماعية , وخسره الوطن العظيم مناضلاً وحدوياً جسوراًً ، وخسره الوسط الثقافي ناشطاًً صادقاًً في مجالات مدنية عديدة , لأنه انحدر من بيئةٍ مدنية بحته وفي رحاب عدن البيئة الثقافية المسالمة ، التي غادرها مُكرهاً بعد أن اجتاحها المستعمرون (الجدد في يوليو 2015م ) وبعد أن غَزَت حوافيها وحواريها العصابات المسلحة والعناصر المتطرفة من تنظيمات القاعدة وداعش ، وانتشر في ضواحيها البرابرة الهمج القادمون من سفوح الجبال المجاورة للمدينة ، غادرها بعد أن تردت خدماتها من الكهرباء والمياه و انعدام النظام تماماًً ، قرر الرحيل للعلاج إلى القاهره بمصر ، ومنذ ذلك الوقت وبسبب الحرب على بلادنا انقطع تواصلنا ، ولم نسمع عنه إلا النزر اليسير من أخباره 0 تألمت كثيراً لسماع خبر وفاته ، وحزنت بأننا لم نستطع أن نقدم واجب العَزَاء في وداع إنسانٍ عزيزٍ وغالي ، لكنه الحرب ومخلفاتها هي من أوصلتنا إلى هذا الحال ، وبعد عامين وشهرين من العدوان الوحشي لازلنا نودع الأحباب عبر برقية مواساة أو مرثية خاطفة نرثي في صورتها العامة المئآت والآلاف من شهداء اليمن العظيم الذين ضحوا بارواحهم الطاهرة لكبح جماح عدوٍ متغطرس غاشم أجرم في حصد ارواح الشهداء من خلال الحرب والحصار والتجويع ، لكنه قدر اليمانيون جميعاًً في هذا الزمن الإستثنائي بأن يقاوموا الحرب بصمودهم الأسطوري ، وبأن يموتوا شهداء في جبهات القتال أو في المشافي من جراء الحرب أو في المنفى الإختياري, كما هو حال فقيدنا العزيز البروفيسور/ محمد احمد لكو أبو وائل 0 وفي هذه اللحظات الحزينة والمؤلمة من لحظات الوداع أتقدم لأسرة الفقيد بخالص العزاء والمواساة داعياًً الله عز وجل أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ .