لا شك أن لكل منا مخاوف تقض مضجعه و هي ظاهرة بشرية طبيعية لا جدال عليها. من خلال نظرة متفحصة لوضعنا الحالي فإن لدى الجنوبيين الكثير من المخاوف ولها ما يبررها فالقوى العسكرية الشمالية لم تحقق نصرا ملموس على الأرض فاسماء التضاريس الجغرافية و التباب لا زالت تتكرر في الإعلام المسموع والمقروء منذ عامين ولا تقدم يذكر وهي ظاهرة يمنية خالصة تثير الشكوك في مصداقية العقيدة القتالية لتلك الوحدات العسكرية و مدى التزامها بمهامها المناطة بها كما انها تستنزف أموال التحالف بشكل فج يندى له جبين أي عسكري. لذا لا مناص من أن مخاوف الجنوبيين معقولة من أن جيوش الشمال ليست للقضاء على الانقلاب بقدر ما هي لإعادة الجنوب بعد القضاء عليه لبيت الطاعة الشمالي بعد أن ينجز التحالف العربي بمعونة المقاومة الجنوبية تحرير الحديدة وسحق معسكر العمري وخالد بن الوليد وربما لاحقاً تطهير صنعاء اذا ما قدر لها أن تتطهر . لا شك أن الحكومة الحالية(حكومة الطاقة المستأجرة) تعاني من شلل مزمن في الأداء الإداري و لوثة الفساد المترسب في وجدانها الجمعي كما أن فضائح التعيينات الأسرية فاحت وازكمت أنفاس كل شريف . إذا كان هذا و أقع الحال وهو كذلك فلا حكومة اتحادية قادرة على تحسين أداءها وتعف يدها في ظروف الحرب فكيف بالأوضاع الطبيعية و بالمثل إذا كانت جيوش الشمال الجراره لم تقطع ارضا ولم تبقي ظهرا ، فلا حرج من التعامل مع تطلعات الجنوبيين بموضوعية في بناء دولة مدنية حقيقة حتى في أدنى حدود تطلعاتهم بعيدا عن هستيريا الوحدة أو الموت للهالك سيء الذكر. ربما جاء تأسيس المجلس الانتقالي بناءً على تلك المخاف بغض النظر عن التفاصيل الجانبية فقد أظهر منذ الإعلان عنه أنه شريك للتحالف العربي في الحرب حتى تحقيق أهدافه التي جاء لأجلها ومنها دحر الانقلاب كما أعلن في مليونية 21مايو 2017 بكل جلاء انه لا يستعدي الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس هادي لكي يبدد أي مخاوف لدى الأشقاء . ولكن هناك معضلتان اولاها أن المجلس لا بد أن ينجح في تبديد الاستئثار المناطقي اذا اردا أن يكتب له البقاء فان العناصر الفعالة التى اظهرتها مليونية 21 مايو انفة الذكر كانت تمثل طيفا واحدا و لا تمثل الجنوب ككل. والمعضلة الأخرى في الخطاب الاستعداءي للتيار الإسلامي ، فالجنوب بنسيجة الاجتماعي يحوي الجميع و استعداء الأحزاب الإسلامية الذي تمثل جزءاً أصيلا من الجنوب لا ينذر إلا بالرغبة الاقصاءية لدى بعض الشخصيات الجنوبية ولا تمثل الخطاب الرسمي للمجلس أن اخذ الأمر على المحمل الحسن، كما أنه ليس من الحكمة استعداء حزب وقف بكل قياداته و قواعده خلف الشرعية اليمنية بعد عاصفة الحزم الذي أعلن المجلس انه لا يكن لها العداء ! أما إذا كان حقيقة الأمر فتح ملفات الماضي فالملفات تعج بأخطاء الجميع و جرائم الأزمنة الشمولية الغابرة التي نكلت بالتيار الإسلامي بمختلف أطيافه بعد رحيل الا حتلال البريطاني لا زالت عالقة بالاذهان ،الجدير بالذكر أنها نفس العقلية إلتي أوصلت الجنوب بما حمل إلى سوق الملح بباب اليمن . لدينا نحن الجنوبيون قضية عادلة ولدينا حاليا مجلس يمثلها اتفقنا معه جميعا أو اختلف معه بعضنا. ولكن استخدام تلك القضية لكي يفرض فصيل ما رؤيته على الجميع أمر عواقبه وخيمة على تلك القضية ، كما لا يخفى أن بقاء القضية الجنوبية ضبابية في أجندة التحالف العربي يفتح المجال واسعاً لدخول قوى دولية للعب على اوتارها وهي على ما يبدو اوتار شديدة الحساسية. ربما سمة المرحلة القادمة هي تبديد المخاوف فإما وان ينجح التحالف العربي في وءد مخاوف الجنوبيين بملامح واضحة لما بعد عاصفة الحزم حول مستقبل الجنوب و في الجانب الاخر أن يظهر الجنوبيون انهم قادرين على ادارة دولة تحترم مواثيق تعهداتها مع الخارج و احتواء الجميع في الداخل. والا فإن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوما عليهم بتكرار اخطاءه. والله المستعان