معاناتنا أمام سفارتنا الموقرة بالرياض لا تقل عن أي معاناة يواجهها اليمني في أي مكان آخر من هذا العالم. ولكن علينا أن ندرك الحقيقة ونقولها بلا مواربة، هناك جحافل بشرية همجية لا تتقيد بنظام ولا قانون، هي من تصنع هذه المعاناة وتفرضها بعد ذلك على الجميع لتكون واقع معاش! لو لم أكن اليوم قد تصرفت كأحد تلك القطعان الهمجية لما أنجزت شيئا من المهمة التي قطعت مسافة طويلة لإنجازها. كنت مضطرا أن ادفع هذا وأركل هذا على الأقل لأحافظ على توازني وإلا لمروا من فوقي دون خجل. حتى وأن كنت تملك رقما الكترونيا يتم مناداتك عبر شاشة معلقة بالسقف، هذا لا يكفي، ستجد هذه القطعان مكومة فوق بعضها عند شباك الخدمة رغم أن وقوفها أمام الشباك لا فائدة منه، حين يصل دورك عليك أن تتحول إلى ملاكم لتفتح الطريق وتصل قبل فوات الأوان..
بح صوت العسكري السعودي وهو يصرخ بأعلى صوته للجموع من اجل الالتزام بالصف دون جدوى .. ظلت الفوضى سيدة الموقف وعجز أن يفعل شيء، لتفرض عليه القطعان الهمجية أسلوب حياتهم فيستسلم لأمر الواقع، ويصرخ ساخطا في وجه أحدهم "تعبنا معكم والله! .. اقف أمام السفارات الأخرى لا اجد أي فوضى كما أجدها أمام سفارتكم، للأسف انتم همج!" طبعا لم يكن فيما قاله اي اساءة كما فهمها البعض معتبرا اياها "اهانة" للشعب اليمني "العظيم" بل هي حقيقة لا ينكرها إلا غبي أو جاهل .. اليمني الذي خرج إلى بلدان أخرى يعرف حق المعرفة أن الفوضى والضجيج لا يكونان إلا في اماكن تواجد اليمنيين. أقرب مثال على ذلك الأسواق التي تزدحم باليمنيين، المطاعم اليمنية كذلك، أي مكان يتكاثر فيه "ابو يمن" كما يطلق علينا كلما قابلنا الغرباء. يصرخ مرة أخرى العسكري محذرا "كل واحد ينتبه على محفظته، جواله، أي أشياء ثمينة بحوزته" أحد الذين اخذته النخوة اليمنية والغيرة يرد عليه ساخرا "يا عزيزي الناس صيام من هذا المجنون الذي يسرق في رمضان؟" (يقولها هكذا بكل بجاحة وكأن السرقة بغير رمضان مباحة) العسكري يرد بابتسامة خبيثة ساخرا "اقول انتبه على أشيائك عشان ما تجي بعدين تقول والله سرقوني، ها أنا احذر من الآن .. عشرات الأشخاص حدث لهم هذا الأمر في رمضان وغير رمضان". هذه هي نسخة اصيلة من الشعب اليمني العظيم .. نسخة طبق الأصل ! والدليل على ذلك الأشخاص الذين يعرضون خدماتهم عليك بمقابل مالي .. بالذات موضوع تحديث البيانات تجدهم منتشرين بكثافة .. "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هكذا سيستمر اليمني يولد الفوضى والرشوة والفساد ويدوس على كل القوانين والانظمة تحت اقدامه إلى أجلا غير مسمى .. حتى وإن تولى أمره كادر من اليابان لن يكون الحال أفضل بل سيصبح اليابانيون أنفسهم اباطرة بالفساد والرشوة والغش وينسون النظام والقانون ما لم يغير اليمنيين ذواتهم ويصححون ممارساتهم وسلوكهم .. كأفراد لسنا بحاجة لأن نخوض حروبا مع أي أحد خارج حدود أنفسنا، كلما نحتاجه هو أن نخوض حروبا شرسة مع ذواتنا لأن المشكلة فيها ومنها مصدر كل بلاء يطالنا اليوم وسيكون غدا .. بالعادة نلقي اللوم على الفاسد وما أن ننتهي من هذا إلا وظهر عشرات الفاسدين بعده، وهكذا تستمر الحكاية دون توقف. إذن متى سنواجه بجدية من يصنع الفساد ويساعد على تكاثر الفاسدين ونجفف منابعه؟ متى سيتوقف المثقف عن التطبيل لهذه القطعان تحت اسم "الشعب العظيم" وهي مصدر البؤس ومنبع الفساد ومصدر صنع الأصنام والدكتاتوريات المتتالية التي سحقت حياتنا طوال خمسين عام وما زالت إلى اليوم؟ متى سنعترف بحقيقتنا أننا مجرد قطعان همجية فوضوية وبيئة خصبة لانتشار الفساد والرشوة؟ متى نبدأ هذه المعركة الحقيقية من أجل إنقاذ انفسنا؟ ليست الشجاعة أن يحمل أحدنا البندقية ليقتل آخر تحت مبررات كثيرة يختلقها ليغذي غريزة الكراهية، لا .. ابدا! ليست هذه هي الشجاعة، بل الشجاعة أن نواجه أنفسنا على حقيقتها ونعترف أننا شعب همجي فوضوي وان كل هذه الكوارث التي نعيشها ما هي إلا نتائج لسلوك يحكم حياتنا اليومية.