الأخ العزيز والأستاذ القدير حسين ناجي محمد اطال الله في عمره غني عن التعريف فهو نار على علم , أعرفه عن قرب منذ 40 عاماَ عندما كان مأمور المديرية الغربية للمحافظة الثالثة وكنا في قيادة الحركة الطلابية والشبابية في يافع ( المديرية الغربية) وكنا نتلقى منه كل الدعم والتوجيه والتحفيز وكنا معجبين ولا زلنا بطبعه الآسر في الحديث , لما يمتلك من قدرات فذة في سبر اغوار النفس البشرية , ويعرف ذلك كل من عايشه عن قرب أو تعامل معه سواء اداريا أو تنظيميا , أو صاحب قضية أو حاجة . حل أصعب القضايا المعقدة , وسهل للكثير من المحتاجين السفر , حيث كان يتطلب السفر إلى تصديق من الجهات المسئولة والأمنية في المديرية للسماح بالهجرة خارج الوطن عندما كان الوطن بقيمة الأوطان . واقع مرير اليوم أصبح الرحيل عن الوطن هدف وغاية يترك طالب الثانوية العامة دراسته ويشتري بحريته فيزه عامل شحن وتفريغ (حمال) بعد ان نزع من قلوب كثير من شبابنا حب الوطن وعدم وجود قيادة محنكة تستقطب طاقات الشباب وتوجهها نحو الهدف المنشود وهي تزرع في جهد ثقافي وطني روح الانتماء , وتفجع الشباب بأن العدو اللئيم إذا لم ينتبهوا سوف يحولهم إلى دحابشة من طراز جديد يخدمون على أرضهم الدحباش الأول وهم صاغرين . وبالعودة إلى موضوع الخاطرة عن الأخ العزيز حسين ناجي كانت ميزته التي هي من اهم ميزات القائد المحنك النادر هي مقدرته على تحويل الخصم إلى صديق والمتعنت إلى حمل وديع . كان ولازال صاحب بديهة ثاقبة يقرأ ويميز من يقابله خلال لحظات من مقابلته , وكنا نتمنى أن يرتقي به الوطن إلى قيادة محافظة زمان وضمن نخبة وطنية ترشد العمل الوطني وتستقل خبراتها وإمكانياتها الثقافية المخضرمة في توحيد الصفوف ورص الشباب وشحذ الهمم اليوم. وإليكم هذه الواقعة التي يجب أن توثق بماء الذهب لتاريخ مجيد , صفحة ناصة للعدل المكلل بكفاءة من يزاوج بين الحكمة والبداهة والدراية بالعرف والواقع , عندما يوظفها الوطني المخلص وبها يكون أقوى من حكم القانون : كان أحد المواطنين في قرية من قرى يافع (نقش) ما يعادل حمل سيارتين متوسطة من الحجارة ,أي ما يعادل قيمته في تلك الأيام خمسين دينار جنوبي , نقشها في جبل بعيد عن القرية حوالي اثنين كيلو متر في مظرف (حمى) ملكية خاصة ثم تركها وغادر السفر إلى حضرموت غاب أكثر من اثنى عشر عام , وعند عودته إلى القرية بعد 7 سنوات من الاستقلال تفقد الحجار ولم يجدها , سأل وقالوا له فلان ابن عمك أخذها قبل فترة طويلة وبنى بها جزء من أساس البيت المكون من ثلاثة طوابق . أرعد وأزبد لكن دولة النظام والقانون قائمة , وأشاروا عليه باللجوء إلى اللجنة الشعبية حيث كانت تلك اللجان تحل تقريبا تسعين في المائة من الخلافات في حدود الحي الشعبي و أدت دور أفضل من محاكم الوحدة الدحباشية مجتمعة حيث كان يتم التقاضي وجه لوجه ضمن الحي بحيث كل الأمور واضحة للداعي والمدعى عليه . المهم تقدم المعتدي عليه إلى اللجنة وكان صاحب لسان فصيح وطرح مفلج وقال : أولا : - الحجارة التي في قريتنا تكفي لبناء ألف بيت في يافع ثانيا : - الحجارة التي بجوار منزل ابن عمي تكفي لبناء عشرين بيت ثالثا :- الحجارة التي أخذها من ملكي الخاص المحرز يعرفها هو وجميع أهل القرية بأنها ملكية لي وتبعد عن بيت ابن عمي أكثر من اثنين كيلو متر , وهو بالتالي أخذها عنوة و بإصرار ولم يستأذن من أحد من أقاربي ولا مني رابعا : - حجارتي ذهب ولا أريد إلى الحجارة نفسها لا بدل ولا تعويض ولا ثمن . رد ابن عمه على دعواه واطلعت اللجنة وحكمت له بتعويض مضاعف حجارة مقابل حجارة وغرامة مقابل الاعتداء رفض الحكم و احالوه على المحكمة الجزائية في مركز المديرية (لبعوس ) اطلعت المحكمة على حكم اللجنة الشعبية وبعد المداولة صدقت المحكمة على حكم اللجنة الشعبية لعدالته رفض الحكم وطلب الاستئناف . اشتهرت قصة المذكور وقبل أن يستأنف تساءل وقال ألا يوجد من ينصفني ويرد لي حقي ؟ أشاروا عليه بأن يقدم قضيته إلى مأمور المديرية وكان المأمور حينها الأخ والأستاذ العزيز حسين ناجي محمد يقول الأستاذ حسين ناجي وهو يروي القصة : دخل عليا صاحب الحجارة حيث اشتهر بالحجارة لما أحدثه من محاجة و شكوى ويقول المأمور كانت عندي معلومات وافية عن القضية . المهم دخل وشرح لي كيف تم الاعتداء عليه وكان صاحب منطق وحجة ولسان فقلت له تطلب من رأي ولا حل ؟ فرد عليا : حل والحل واضح فرديت عليه ايش رأيك حكم المحكمة واللجنة ولك مني شحنة اثنين قلابات نيسان (كبيرة) تعويض مضاعف من مجلس تطوير المديرية. فرد علي بكل تعنت الظاهر أن أصحاب اللجنة فلان و فلان هم الذين يحكمون البلاد قال فرديت عليه مش معقول يا أخي نهدم بيت بن عمك على زفتين حجار وحتى لو لسانك ذراع وعقلك (كيلة) ولو تصل إلى المحكمة العليا مستحيل أن ينفذ لك أي قضاء هذا الذي براسك . قال فرد علي كلكم تنظرون بعين عوراء . حينها كما يروي الأخ حسين ناجي قال كنت جالس على مكتبي الرسمي وكان صاحب الحجارة جالس أمام طاولة المكتب في الكرسي الذي على يميني . يقول المأمور قمت من مكتبي وقلت له لو سمحت قم من فوق الكرسي . . استجاب صاحب الحجارة وقام فأشار عليه الأخ حسين ناجي أن يجلس مكانه في كرسي المأمور الرسمي . . . يقول استغرب الرجل فرديت عليه بحزم و أقسمت عليه ان يجلس مكاني في كرسي مأمور المديرية يقول الأستاذ حسين ناجي عندما جلس على الكرسي غادرت المكتب وقبل أن أغلق الباب قلت له مع السلامة يا سعادة المأمور ,. ثم يقول الأستاذ حسين خرجت إلى سوق السلام والتقيت مجموعة من الأصدقاء ودخلنا المطعم وشربنا الشاي ثم خرجت وجلست حوالي ساعة . . يقول الأستاذ حسين ناجي بعد ساعة عدت إلى المكتب دققت باب المكتب بهدوء واستأذنت بالدخول وقلت له : يا سعادة المأمور ممكن ادخل ؟ يقول حسين ناجي انذهل الرجل وقال تفضل وحاول أن يقوم من مكانه وقلت له مكانك , مكانك يا سعادة المأمور وجلست أمامه وقلته له يا سعادة المأمور لي طلب منك أن تستمتع لي خمس دقائق من وقتك الثمين فقط اسألك بالله ترد علي بأمانة فقال لي تفضل قال جلست وقلت يا سعادة المأمور (نقشت زفتين حجارة ) قبل أكثر من اثنى عشر سنة بعقبة عندنا في القرية وسافرت حضرموت وعدت بعد اثنى عشر سنة فلم أجد الحجارة وسألت عليها قالوا أخذها ابن عمك وبنى بها كرسي البيت (الأساس) . . ايش رأيك يا سعادة المأمور نهدم بيت بن عمي على زفة حجار ولا أقبل منه تعويض مضاعف على الحجارة لاني تقدمت بشكوى إلى اللجنة الشعبية والمحكمة ( وحتى مأمور المديرية الذي كان قبلك بهذا الكرسي ) أضاف لي تعويض من عنده فوق التعويض المضاعف والغرامة التي حكمة بها لي اللجنة وصدقتها المحكمة وأنت اليوم فوق كرسي العدل والأمانة مأمور للمديرية رد لي عقلي إذا كنت على خطأ. قال فرد مباشرة : مالك إلا حجار مثل حجارك وفوقهن . . . يقول وضحك الرجل حتى استلقى على ظهره وقام من فوق الكرسي مباشرة وخرجنا من المكتب ونحن نضحك . ثم تنازل عن الحجارة وقال اليوم أنتم معزومين على شرف مأمور تولى السلطة ساعة وحكم في أصعب قضية استمرت في المقاضاة أكثر من سنتين حلها خلال خمس دقائق .