(من كنت مولاه فهذا علي مولاه) هذا الحديث النبوي الشريف لا علاقة له بموضوع الولاية السياسية، فهو حديث خاص في فضائل علي بن ابي طالب رضي الله عنه مثله مثل غيره من أحاديث الفضائل التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضل السابقين الأولين من المهاجرين والانصار والآل والأزواج وأهل بدر والعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم، وهو متسق مع الثناء الرباني على الصحابة والآل وأهل السابقة في أكثر من موضع في القرآن الكريم. فعلي رضي الله عنه والصحابة الكرام لم يفسروا الولاية الواردة في هذا الحديث بالولاية السياسية (الخلافة)، فلم تدون كتب الحديث والتاريخ والسير الصحيحة عن أحد منهم أنه احتج بهذا الحديث في المحطات التاريخية المهمة كيوم السقيفة ويوم بيعة عمر واثناء شورى الستة واستفتاء ابن عوف ويوم التحكيم وموقعة الحرة وغيرها.. فعقيدة الصحابة الكرام -ومنهم علي رضي الله عنه- كانت راسخة أن الولاية السياسية حق حصري للأمة تمارسها بالشورى القائمة على ركني الرضا والاختيار من خلال أفضل الأداوات البشرية التي يتوصل بها لتحقق جوهر رضا الأمة واختيارها إما بالانتخاب المباشر أو ببيعة النقباء (النواب) أو ببيعة أهل الحل والعقد بحسب تطور العصر وتراكم التجارب. ولذا نرى في سيرة علي رضي الله عنه أنه لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان في الخلافة بعد انعقادها لهم باختيار الأمة ورضاها، بل الثابت تاريخيا أن عليا رضي الله عنه تولى عدة وظائف في دولة الخلافة الراشدة تحت إمرة هؤلاء الخلفاء الثلاثة قاضيا وعاملا ومستشارا وقائدا عسكريا، ولو أنه فهم من حديث (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) أنه صاحب حق مقدس في الخلافة لخرج عليهم أو على أقل تقدير لأعلن للناس عدم اعترافه بشرعيتهم، لأن مبايعته لهم مع وجود النص يعتبر ضعفا خارما في الإمامة وغشاً للناس وخيانة للأمانة الإلهية والوصية النبوية وهذا غير جائز في حقه كرم الله وجهه! ومما يؤكد -أيضا- بأن عقيدة علي السياسية هي الاعتقاد بأن الخلافة حق للأمة وان شرعية الحاكم مستمدة من شرعية رضا الأمة واختيارها هو قبوله رضي الله عنه بأن يكون أحد المرشحين الستة لخلافة الفاروق، حيث دخل حلبة التنافس المتساوي مع غيره من المرشحين غير الهاشميين ولم يكن منه في نهاية العملية الانتخابية إلا القبول بنتيجة الاستفتاء الذي أجراه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه والذي أسفر عن اختيار الناس لعثمان بن عفان رضي الله عنه لمنصب الخلافة، وفور إعلان النتيجة كان علي رضي الله عنه أول المبايعين للخليفة الجديد. أما الولاية الدينية التي تعني المحبة والمودة والنصرة فهي لمجموع المؤمنين وآحادهم كما قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا..)، فكل مؤمن فيه وله من الولاية بقدر إيمانه وتقواه، (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون). وخلاصة القول في موضوع الولاية السياسية هي: لا فرق بين عربي وعجمي ولا بين هاشمي وحبشي إلا برضا الأمة واختيارها، كما أنه في شأن الولاية الدينية لا فرق بين عربي وعجمي إلإ بالإيمان والتقوى.