غداة انتهاء الحرب في 7يوليو عام 1994م التي انتهت بإخراج الجنوب والحزب الاشتراكي من المعادلة السياسية فضلاً عن الوطنية ,اتَخذتْ حينها تلك السلطات اجراءات تعسفية جائرة بكل الاتجاهات وضد كل مَن وقف ويقف بوجهها ومطامعها بالجنوب وفي عدن بالذات. ولأن قائمة ضحايا تلك السلطة وتلك الفترة المظلمة طويلة يصعب حصرها ناهيك عن الحديث عن تفاصيلها...وعطفاً على ما هو مثار اليوم في عدن من موضوعات ساخنة منها حملة الاعتقالات التي طاولت أعضاء بحزب الاصلاح, سأعيد الى الأذهان مقطع صغير من الشريط التراجيدي الطويل لتلك الفترة -فترة ما بعد 7يوليو 94م,- لارتباط ذلك المشهد-المشهد- بتلك المرحلة ارتباطا وثيقا لدرجة التطابق مع ما هو حاصلا اليوم بشأن اعتقالات النشطاء الحزبيين, وبشأن وضع الأحزاب عموما,والتي تمت أي الاعتقالات بتلك المرحلة, وتتم اليوم تحت هاجس أمني, مع فارق حالة الوضع الأمني بين تلك الفترتين. فبمجرد أن دخلت تلك القوات الغازية في ذلك اليوم الصيفي القائظ 7يوليو عام 94م, ومن ضمن حملة قمعية شرسة استهدفت كل ما يقع تحت يدها من معارضين ومحايدين شرَعتْ تلك السلطات باقتحام كل مقرات الحزب الاشتراكي- وغيره من الاحزاب الأخرى على صغرها- في عدن وكل المحافظات, ومصادرة كل أمواله(الحزب الاشتراكي) وصحفه ومطابعه,وطاردت كل أعضائه ومناصريه,بل واستنسخت الحزب نفسه بحزب افترضي, وصحيفته الرسمي بصحيفة مشابهة للأصلية (الثوري),بعد أن وجدت تلك السلطة أنه من الصعوبة بمكان حل الحزب حلا كاملا, ولحاجتها لوجوده على المسرح السياسي الجديد, ليبقى كرمزية للوحدة التي كان طرفا بتحققيها عام 90م. كل تلك الاجراءات القمعية كانت تتم تحت مبرر ترسيخ الأمن والحفاظ الى سكينة الوطن والمواطن,مع أن القوى التي تهدد الأمن حينها واليوم أيضا كانت تقف الى جانب تلك السلطة ,ونقصد هنا الجماعات المتطرفة التي مثلت رأس حربة حرب 94م....والطريف بالأمر ان اللواء علي محسن الأحمر الذي شكّل محور ارتكاز للتضييق على الحزب الاشتراكي واستمال عدد من قياداته ووزع الاموال لتأسيس حزب ظهير للحزب الاشتراكي الاصلي, وبذخ بالأموال لفتح صحف حزبية مشوشة هو اليوم من يقف على رأس القوى الحزبية التي تتبرم من الاجراءات الأمنية بعدن.! سيقول قائلا وهو محقٌ في ذلك :ما اشبه الليلة بالباحة. ولكن الليلة لا تشبه البارحة تمام الشبه, فالإجراءات القمعية التي اتخذتها سلطة ما بعد يوليو 94م لم تكن لدواع أمنية أبداً' بل لدواعٍ سياسية بحت, فالحزب الاشتراكي وكل الجنوب حينها لم يكن يشكل خطراً أمنيا على أحد,بعكس ما تشكله بعض الجماعات المتطرفة التي لا يخلو منها احزاب اليوم بمن فيهم بالتأكيد حزب الاصلاح, بل كان هو اي الاشتراكي ضحية حينها للغياب الأمني وضحية لطيش وارهاب قوى دينية سياسية قبلية عسكرية نافذة, وكانت كوادره تقتل بالطرقات والمقرات. اليوم وفي عدن تحديدا الوضع الأمني منذ إخراج قوات الحوثيين وصالح منها ومن كثير من مناطق الجنوب لا يمكن مقارنته بالوضع الأمني غداة انتهاء الحرب عام 94م, فالوضع الأمني في تلك الفترة كان مستقرا الى درجة كبيرة مقارنة مع وضع اليوم الذي تفعل فيه كل القوى الارهابية والسياسية اقليمية ومحلية أفعال مدمرة, تجعل معها أية اجراءات أمنية لمواجهتها كما هو حاصل اليوم محقة في ذلك ولها ما يبررها – مع إنكارنا لأي تصرفات تتجاوز ذلك وتخرج عن السياق الأمني .فيكفي ان نتذكر ان القوى التي يزعزع فكرها المتوحش الأمن بكل مكان بالعالم وقفت عام 94م الى جانب تلك السلطة,مما يعني ذلك بالضرورة سقوط حُجة اقتحام المقرات للبحث عن مطلوبين خطرين كما تم لمقرات الأحزاب عام 94م وما بعده,إلا إذا كان الأمر متعلقا بمطلوبين سياسيين حزبيين وهذا بالضبط ما كان يتم حينها وباسم تثبيت الأمن. فالوضع الأمني اليوم وبرغم تحسنه الملحوظ بالشهور الماضية إلا انه يظل وضعا مريعا ويشي بالخطورة في ظل تداخل قوى سياسية ودينية وحزبية,محلية واقليمية طامعة, وتتشابك فيه المشاريع السياسية المريبة في ساحة باتت زاخرة بالتناقضات والتجاذبات الحادة. لا يعني ذلك موافقتنا على اقتحام مقرات الاحزاب واعتقال نشطائها على طريقة الاستهداف الحزبي المحض,كما حصل بعد حرب 94م, أو يتم من منطلق خصومة مع مبدأ التعددية الحزبية والسياسية التي يخشاها البعض تجاه الاحزاب, ولا خدمة لقوى اقليمية بذريعة الشراكة مع دول التحالف والاقليم. فأية اجراءات أمنية تستهدف الاحزاب كأحزاب وكقوى سياسية سيضرب مستقبل القضية الجنوبية بمقتل, فالعالم الحر يرقب كلما يهب ويدب بالجنوب, ويرصد كل الاجراءات والاحداث وإن بدت لنا تافهة.. فأي استهداف لأُسس ودعائم الدولة المدنية (أي دولة مدنية سواءً كانت قائمة أو تسعى لأن تكون) والمتمثلة (الأسس) بالتعددية الحزبية والسياسية والفكرية ,والحقوق والحريات العامة سيبعث الريبة والتوجس في نفس العالم الحر من هذه الإجراءات ومن كُنه مشروع أصحابها. فالقوى الكبرى والعالم الحر ككل هو من يقرر مصير الدول بكل اصقاع العالم,هذه حقيقة لا يجادل بها أحد, وما المحيط الإقليمي بكل نفطه وثرواته وهيلمانه إلا أداة طيعة بيد هذه الدول العالمية الكبرى. فالمستقبل هو للحريات وصيانة الحقوق الرأي الأخر, وهذه حقيقة بدأت دول المنطقة برغم انظمتها الوراثية المستبدة المطلقة تدركها وتتعاطى معها بجدية,ولو خضوعا للصولجان الغربي الأمريكي.