بعد ثلاث سنوات من حرب ضروس لم تبق ولم تذر من مقومات الدولة، ولا مقدرات الشعب شيئًا، أصبح من المتعذر على اليمنيين مواصلة المشاركة في (مارثون) الصراع بين المملكة وإيران، الذي تستضيفه اليمن. دخلت الحرب الإقليمية بين الرياض وطهران عامها الثالث، الذي يبدو أن اليمنيين لن يقووا على إكماله ؛ لأن أخطار الانقراض بدت تهدد وجودهم الإنساني، مما ينذر بانقراض الشعب اليمني قبل أن تحقق الرياض وطهران أهدافهما في اليمن. وجد اليمنيون أنفسهم في هذا الصراع وقودًا لحرب، لاناقة لهم فيها ولاجمل، يدفعون الأثمان الباهضة، والتضحيات الجسيمة، من حاضرهم ومستقبلهم؛ لتذهب أدراج الرياح في صراع مشاريع خرافية، غير واقعية، وغير قابلة للتحقيق، فإيران تريد تطبيق نظام ولاية الفقيه، وتطبيق تجربة ثورية ضاق الناس بها ذرعًا في إيران نفسها، حين لم يروا منها سوى الفقر والجوع، وتصدير الفتن إلى دول الجوار، في حين تقبع إيران الدولة النفطية ذات الإرث الحضاري العريقي في ذيل الدول المتخلفة اقتصاديًا، في حين نهضت بعض الدول لمجاورة لها وهي لاتملك ما تملكه إيران من ثروات هائلة وإرث حضاري كتركيا وماليزيا. وفي المقابل استبدت عقدة النقص والخوف بحكام الخليج التي انتجتها ذكريات الاجتياح العراقي للكويت، فشنت المملكة العربية السعوية حربًا شاملة على اليمن؛ لم تكن ترى فيها سوى نزال مع جار ضعيف انهكته الصراعات السياسية، التي كانت هي الراعي والممول الأول لها، في حين غابت عنها حسابات الكبار، الذين أعطوها الإذن، وأطلقوا صافرة البداية... طغت نشوة الملك المتوج للتو وهو يرى طائرته محلقة في الجو لأول مرة تخرج من أوكارها بعد أن أورثها طول المكوث في مرابضها الصدى، أعمت هذه النشوة حكام الخليج وحجبتهم عن النظر إلى أهداف الغرب الخبيثة حين أيَّد العاصفة، المتمثلة في استنزاف المملكة، واتخاذه من حرب اليمن سوقًا لبيع الأسلحة، والقرارات، والمواقف، ولم يكونوا يعلمون أنهم سيجوبون عواصم الشرق والغرب للتدخل لوقفها. بين لظى الصواريخ الإيرانية التي تمدّ بها جماعة الحوثي، وحرائق الطائرات السعودية، وجد اليمنيون أنفسهم في مساحة ضيقة تغطي سماءها حرائق الجثث المتفحمة، وتظلل وجهها الأشلاء المتناثرة، والجماجم المهشمة، وماعدا هذه الرقعة الصغيرة من أرض اليمن تجتاحها أعاصير المجاعة، والأوبئة الفتاكة، ومآسي التهجير والنزوح وويلاتهما، في بلد لم يعد فيه موضع قدم للأمن والسلام. بين مشروع استعادة الشرعية، ومشروع التصدي للعدوان، وجد اليمنيون أنفسهم بين خيارين عقيمين غير قابلين للحياة. فهل يعقل أن تنجح إيران في تطبيق تجربة سياسية لم تنجح في إيران نفسها؟ ولم تثمر فيها طيلة 39سنة غير العلقم! أيعقل أن تثمر في اليمن البلد الفقير؟ ولم تثمر في إيران البلد الغني! أيعقل أن تكون هذه التجربة رافعة لجماعة سلالية تعيش خارج نسق العصر؟ في الوقت الذي ينتفض الشعب الإيراني ضدها بعد أن اقتطعت أربعة عقود من تاريخه! وهل ستنجح الجماعة السلالية في تشييع اليمن السني؟ في حين فشل نظام ولاية الفقيه في تشييع إيران الشيعية ! وفي المقابل هل تستطيع المملكة إعادة رئيس هو نفسه نازح لديها منذ ثلاث سنوات؟ لا يستطيع العودة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الشرعية -كما يزعم وتوصف بالمحررة- فكيف يمكن الرهان عليه في لملمة حطام دولة متناثرة؟ وإذا كان فريق الرئيس عبارة عن توليفة من نفايات العهد السابق، الذين لايزالون يتوافدون عليه؛ حتى أصبح استقبالهم وتوديعهم مهمته الوحيدة التي يقوم بها في مكان نزوحه، في حين لاتزال أبوبه مغلقة في وجه الكثير من القادة وذوي الشهداء الذين وقفوا إلى جانبه، و أوكل مهام حكومته لمجموعة من اللصوص و الوصوليين من الوجوه التي ارتبطت بالفساد، ورموز الطغيان، وحقب الفساد، فإنّى له أن يتحدث عن يمن جديد ! هل يعلم المليشاويون السلاليون والشرعيون الفاسدون أن الناس ترتاد المزابل؛ لأخذ حاجتها من الطعام؟ وما الذي قامت به المليشات من واجبات الدولة حتى تستطيع إقناع الداخل والخارج بسلطة الأمر الواقع؟ وهل قدمت الشرعية أنموذجًا للدولة في ما تسميها مناطق محررة حتى تقنع المناطق غير المحررة؟ فإذا كان الفساد والنهب، والسلب، والاغتيالات، والخوف والجوع، وانتشار الأمراض والأوبئة، وانهيار العملة، وانقطاع مرتبات الموظفين وانهيار مؤسسات الدولة، قواسمَ مشتركة بين الشرعيين والانقلابيين فعن أي دولة يتحدث الفريقان؟ هل يعلم المليشياويون والشرعيون أن سعر الصرف للدولار الواحد أصبح 500ريال مما يعني تحول الشعب اليمني كله إلى شعب فقير، واليمن إلى دولة منكوبة. ماذا قدمت إيران لليمنيين غير الموت، وماذا جنت اليمن من التحالف غير المآسي والويلات؟ لذا أصبح واجبًا وطنيًا على الأحزاب السياسية، والقوى الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني، وكل القوى الحية من مفكرين وإعلاميين وناشطين مخاطبة المنظمات الدولية والإنسانية، والضمائر الحية في العالم للتدخل لوقف هذه الحرب العبثية، ومعالجة ما نتج عنها من كوارث إنسانية .