لا زال الحزن يتناسل أنهاراً من قيح أسود ، ولا زال السيد الخرافي الخارج من الكهوف يمطرنا بصاوريخه يوما بعد يوم ، ويضع الخطوط الحمر على أي شيء يجعلنا نعيش بسلام وأمان وعافيه ، ونحن يبتلعنا الحزن ، فمنذ انطلاق العاصفة ، والمزادات العلنية والسرية الرخيصة شرّعت أبوابها لبيع الوطن المقدس ، بالجملة تارة وبالمفرد أخرى ، بالدفع العاجل والآجل ، بيع بالتفكيك وبالتركيب ، ولا زالت المقدسات التي تتحدث عن الوطن محشورة في حقائبنا خوفاً من تعرضها للفساد ، وكل مقدساتنا الوطنية فسدت في رؤوسنا منذ اللحظة الذي أخذنا النفاق فيها إلى المجهول ، ومنذ أن ارتدى سدنة الوطن الجريح ثوب التقوى والنزاهة ، وهم يأمرونا بالصبر . منذ الساعة التي وضعت رؤوسنا رؤوساً أخرى في صالات الولادة ، والوطن يتمزق ، ينزف ، يشهق ، يتلوى ، يستجدي من أبنائه حرفاً فيه عزاء ، قولاً فيه رثاء ، لمسة عطف صادقة ، والكل مشغول بلعبة القفز بين الخنادق والبنادق ، بين الركض وراء أصحاب العروش والكروش ، وعندما أطلق الوطن صرخة الاستغاثة الأخيرة ، خرج الكبار من أصحاب الرؤوس المتعددة ورجال القصائد الرنانة والخطب البليغة والبيانات المثيرة ، وفرسان المواعظ المحتشمة ، ودعاة الفكر الملتزم يصرخ بأعلى صوته : نموت ويحيا الوطن ، ويموت الوطن ، ويهزم الفقراء ، ويعيش زنادقة الوطن ، ويخرج الجميع بالدعاء إلى الواحد الأحد أن يمنح بلدهم مزيداً من العافية والازدهار ، والجميع امتدت سكاكينه إلى رقبة الوطن الجريح ، طمعاً في تقطيعه وبيعه على أصحاب المطاعم السياسية . في لعبة الذبح لا يستثنى أحد ما دام النفاق سيد اللعبة ، وأهل النفاق أبطالها ، وما استقام النفاق يوما على سكة الوطنية ، هنيئا لكل المنافقين الذين دفعوا بوطنهم إلى المجهول . ونسأل الله أن يشفي جرحنا وجراح الوطن والرحمه للشهداء... وحسبنا الله ونعم الوكيل...