أترحم - في البدء - على أرواح الذين سقطوا في هذه الحرب الأخيرة بدون استثناء،وقبلهم أترحم على أرواح كل المظلومين الذين سقطوا في الفترات السابقة التي شاء القدر أن تفرض على الجنوب وأهله منذ عام 67 إلى يومنا هذا وأرجو للجميع الصفح والغفران كما أرجو أن يهدي شبابنا وللأجيال القادمة لما فيه خير لهذا الوطن ويبعدهم عن المناكفات والأفعال المشينة التي كانت سببا في ازهاق أرواح الأبرياء من هذا الشعب والتي أثبتت الأيام أن الكل فيها خسران ولم تعد باي فائدة لا على الأطراف المنتصرة حسب زعمها ولا على الوطن؛ فالوطن كما نراه جريحا يئن من معاناة ابناءه كما أنه بنظري يستغيث ويطالب الكل بالكف عن كل تلك الأعمال الإجرامية التي حرم الله في جميع كتبه السماوية ، وما هذا الواقع المرير الذي نعيشه إلا ثمرة من ثمار أعمالنا القبيحة في فترات أعمالنا الماضية ، ولن يحصد من يرى خلاف ذلك إلا المزيد من الويلات والدمار.! بما معناه أن يتخلى الكل عن الوسائل التي كانت السبب في معاناة الجنوبيين وأن يبتعد الكل عن لغة الاحتكام للسلاح ؛ لأن هذه الوسيلة فشلت فشلا ذريعا ومن ضروري البحث عن وسائل أخرى تكون أكثر حضارية وذات منفعة للكل يستطيع بها المواطن أن يتحصل على كامل حقوقه بطريقة سلسلة ويعوض ما فاته من بؤس وحرمان .. وقبل ذلك كله يجب أن يعطي كل جنوبي مساحة من قلبه وعقله للآخر، وأن يتعود على الإختلاف في الرأي مهما كان التباين؛ لأن الوطن للجميع ، وكما ترى أنت وأنا أن لنا الحق في العيش بكرامة في هذه الأرض فإنه يحق للآخر أن يعيش ويمارس حقوقه كما يريد.. ذلك ما ينطبق على الرئيس عبد ربه منصور هادي والذين يقفون معه في الطرف الآخر فهم جنوبيون ومن حقهم أن يجتهدوا ويعملوا ما يرونه مناسبا لهذه الأمة ، وفي الأخير فإن الشعب هو الفيصل ولا أعتقد أن الأخ الرئيس لا يتفهم للحق الجنوبي المهدور ، فقد عانى الجنوبيون من الوجود الشمالي مثيرا ولا يوجد أي جنوبي عاقل يريد العودة إلى حظيرتهم مهما كانت الأسباب، فهم شعب لا يرون سوى مصالحهم الأنانية الضيقة، ولا يهمهم شعب الجنوب وما يعانيه ، وقد خبرناهم في الفترات السابقة.! إنما يطلبه منك - أخي الرئيس - الشعب الجنوبي في هذه الظروف الاستثنائية والتي تبدو بوادر الخلاص منهم قريبة هو الا تعول عليهم وعلى نواحهم الزائف على الوحدة والجنوب فهم في نظرنا أناس غرباء على هذه الأرض ولا يحق لهم الخوض في تقرير مصيرها. بالمقابل كذلك الانتقالي والمقاومة وهم يحملون أهم مشروع يعلق عليه الجنوبييون آمالهم، فإنا نطالبهم بضرورة التخلص من الولاءات لأي جهة أو دولة كانت ، وأن يبقى الولاء لله أولا ثم للشعب ؛ وليدرك الكل أن إعادة الدولة الجنوبية مقرون في توحيد الشعب ، وإشراك كل الناس في صنع القرار والإبتعاد عن الأمراض القديمة، ومنها الجهوية والمناطقية ، وهذا المبدأ كفيل بانتزاع الحق الجنوبي وإقامة دولته. برغم العمل الخطير والمزعج الذي صدم كل الجنوبيين في الفترة الأخيرة ، والذي تم رفضه من كل الجنوبيين العقلاء إلا أنني رأيت إشعاع أمل يلوح في الأفق معلنا أن هنالك رجالا حريصين على الدماء الجنوبية ، وأن هناك عقولا سوف تنهض بهذا الشعب من جديد ، شريطة أن تستمر روح الأخوة ما بين الجنوبيين ، وأن يكون هناك احترام لحق الآخرين في العيش بعيدا عن العوائق الكريهة ، التي عانى منها الجنوبيون سابقا والتي كما ذكرنا منها المناطقية والجهوية اللتان أوصلتنا إلى هذا المستنقع الذي نحن فيه . ومن المحفزات الإيجابية التي تبعث على الطمأنينة التي ساعدتني في دحر الإحباط الذي عشته في أيام المعركة الأخيرة ، هو مرور أحد افراد المقاومة - وهو من الضالع على ما يبدو - قادما من المعركة التي حصلت أخيرا ، وأنا في أحد المقايل المفتوحة في مدينة إنماء - مع زميلي العقيد أبو رضوان المارمي - فقد كان ساخطا على ما يجري وقال أن ذلك خيانة لدماء الشهداء التي سالت ضد الغزاة الحوثيين وكذلك لمبدأ التصالح والتسامح الذي اجمع عليه الجنوبيون واقسموا عليه حسب تعبيره .. وبمجرد سماعي حديث هذا الشاب فقد أعيد لي الأمل وتولدت لدي الثقة أن هناك رجالا وشباب خيرين وأن الدنيا بخير بوجود هؤلاء الميامين.