أدمى القلب الحُزن ، على اولئك الأبطال الذين وهبوا أرواحهم رخيصة وسقوا بدمائهم الطاهرة هذه التربة الغالية العزيزة من أجل الحرية والكرامة لأهليهم والأجيال القادمة ، أسفي عليك شديد أيها الشهيد ، وألمنا لا يوصف قهراً على الجرحى والمعاقين من خيرة الشباب في سبيل أسمى الأهداف .. وهل يجزون منا بأن نقف مكتوفي الأيدي ومكممي الأفواه مكتفين بدور المشاهد السلبي لهذا الهزل السخيف الذي يبعث على التقزز والقيْ ؟ لقد كتبت مسبقاً عن الفشل الذريع لما يسمى (حكومة) والذي مررنا به منذ بداية تحرير عدن وحتى اليوم والذي لا يحتمل الوصف ، ومللنا خوض النقاش فيه ، ولكن المرتكز الأهم الذي يتوجب الانطلاق منه أو التحاور فيه اليوم هو ماذا بعد فشل الحكومة اليمنية ؟ وهل من معجزة ستحل علينا لتبعث فينا جزء من أمل نحو الغد القريب ، علماً بأن عصر المعجزات قد ولّى وأخذ معه كل أحلامنا وآمالنا في أمثال هؤلاء المتصابين المتمسكين بمقاعدهم الفاخرة التي تبيض ذهباً على حساب الجموع الغفيرة من أبناء هذا الوطن المتألم ؟
أنني على ثقة كبيرة بأن هذا الوطن المعطاء يحتضن العديد من الوطنيين الشرفاء والقادرين على بذل كل ما يمتلكون من إمكانات فكرية وسياسية كبيرة يمكن تسخيرها في وضع بعض الحلول الناجعة للخروج من هذه الإخفاقات المخجلة التي أحدثتها الحكومة الانتقالية التي تمنينا جميعاً أن تصاب بسكتة قلبية حتى نواريها الثرى مع كل ملفاتها التي لا تشرف أحد منهم !
لماذا لا نعطي مثل هذه الفرص للقادرين على تقديم الحلول المثلى والعملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟ فالكثيرون الذين تم إزاحتهم في الفترة الماضية نتيجة لأسباب سياسية مختلفة لازالوا يتحسرون على هذا الوضع المزري الذي آلت إليه أحوالنا اليوم !
وإن لم يكن هؤلاء فغيرهم كثيرون يتوارون بين أوساط السواد الأعظم من الطبقة المسحوقة ، خريجون في مختلف التخصصات ، باحثون ، مهندسون ، مفكرون ... وغيرهم الكثير الكثير ..
ألا يوجد بين أوساط هذه الملايين الغفيرة من يستحق أن نعطيه مثل هذه الفرصة لمساعدتنا في الخروج من هذا العار الذي نرزح تحته منذ ثلاثة أعوام وكأننا في مسرحية هزلية سخيفة – طال أمدها – ولا نعرف لها أول ولا آخر ؟
أنني أحد هؤلاء الناس الذين أحرقهم حر الطقس وأعمتهم الظلمة وأرهقتهم عذابات انقطاعات التيار الكهربائي - طوال السنوات التعيسة الماضية - ومعاناة طوابير مشتقات الوقود واللهث خلف لقمة العيش وأساسيات الحياة ، ناهيك عن الموت اليومي بسبب تعاسة الحصول على العلاجات الطبية والمستشفيات ، ومن وسط هؤلاء نستجديكم : أتركوا مقاعدكم الفاخرة !! لا نريد منكم سوى هذا المطلب ، ولن نحاسبكم أو نقاضيكم أو ننتزع منكم الأكوام التي لا تحصى من الأموال التي جنيتموها خلال هذه الفترة الذهبية التي دفعنا فيه دماء قلوبنا واحترقت فيها كل خلايا أعصابنا عذاباً وحسرة بسبب مهزلتكم واستخفافكم بنا ، فازددتم ثراء ووجاهة وشموخاً ، في حين ازداد هذا الشعب تعمقاً في الفقر والذل والمهانة في كل مجالات العيش الذي يزدري منه حتى الحيوان ..
نستحلفكم بالذي سخر لكم هذه المقاعد الذهبية للجلوس على قلوبنا والتحكم بمصيرنا أن تتركوا رحمة الواحد القهار تنزل علينا من حيثما يريد وعلى يد من يريد سواكم ، وأن تمكثوا في أجنحتكم الفاخرة في فنادق الإغتراب ، أو في قراكم السياحية وعقاراتكم التي ابتعتموها من دماء الشهداء والجرحى والمعاقين والشباب الثائر الذي وهب حياته بسخاء من أجل أسمى الأهداف وفي سبيل وطن حر مستقل أحتكرتم موارده لأرصدتكم وحساباتكم الخاصة في الخارج .
وحينما تستجديكم الملايين بتركنا وشأننا – حتى لا تزيدوننا تعاسة وشقاء – فأننا نتلهف شوقاً لأولئك المخلصين الذين نتفاءل فيهم لتولي زمام أمورنا عوضاً عنكم ، لرسم بعض مخارج هذه الأزمة ، ووضع الخطوط الأولى لنهجٍ جديد ينقذ هذه السفينة من الغرق .
وأن أول ما يجب عمله هو انتقاء بحارة شرفاء ينتمون لهذه السفينة التائهة ويقدسونها ويتفاخرون بإنتمائهم لها ليعيدوا دفة السير لإتجاهها الصحيح للبدء في شق طريق الوصول لبر الأمان والخلاص من تلك الأمواج المتلاطمة التي تهدد – بين الحين والآخر – بإغراق السفينة بمن فيها ، وحينها لا ينفع الندم ، وسنقول ليتنا تجرأنا وركلنا هذا الطاقم التعيس نحو لج المحيط ، لينجو الجمع الطيب الذي لا حول له ولا قوة سوى بسط يديه للسماء مناجاة للرحمن ، فهو القادر على كل حال ، وعلى إزالة أمثال هذه الحكومة التي تتفاخر بفشلها !!