وإذا أردت شخصاً يمد يده إليك ويفتح ذراعيه لك ويبذل ابتسامته لكل من يتفق معه أو يختلف فعليك بالدكتور محمد عبدالملك المتوكل. رأيته وهو يلبس "الجينز" و«الجاكيت» كالشباب أو الثياب التقليدية اليمنية البسيطة كأي إنسان بسيط لا تكاد تميزه إلا بوجهه البشوش وقامته الفارعة. ويمشي في الطرقات طويلا حتى تتغطى أحذيته الشبابية بالتراب وحتى تشفق عليه من التعب ولكنه لا يتعب. وحين تزوره وتطرق الباب تجد الباب مفتوحاً وتسمع صوته الجهوري وهو يقول "تفضل" وحين تدخل تشعر أنك في بيتك تماما.
لا يتعاطة القات وبدلا عن ذلك يشرب القهوة أو الشاي ويجلس دون كلل لينظم حوارا يستمع فيه ويسأل دون أن يعطي نفسه من الوقت أكثر مما يعطي الآخرين بل أحيانا يكتفي بتنظيم الحوار والاستماع.
وإذا اختلفت معه - وذلك ما جربته معه كثيرا - فلن يفسد الاختلاف لعلاقته بك وإنصافه لك قضية.
وقد كان وهو الأستاذ والمفكر والسياسي يجعلك تشعر أنه صديقك وأخوك وأنه يفيد منك كما تفيد منه ***
وخلال عمل كاتب هذه السطور بجامعة صنعاء موظفا في إدارتها تابعت عن قرب عمله كأستاذ في قسم العلوم السياسية بكلية التجارة والاقتصاد وما كان يحظى به من سمعة طيبة وشهرة كأستاذ متميز بين طلابه وزملائه. وحين طلبت مني إدارة الجامعة وضع مقترح لإصدار صحيفة باسم الجامعة قال لي المسؤول الإداري الكبير الذي ناقش المقترح أن الأخبار والموضوعات التي ستنشر في الصحيفة يجب أن تمر عليه لمراجعتها وإقرارها، فلما قلت له أن هذه مسألة مهنية تخضع لمعايير علمية وإعلامية
ال:لا نريد لمن يبحثون عن الشهرة أن ينتهزوا الفرصة لتحقيق ذلك من خلال الصحيفة!
قلت له: إذا كانت لهم أخبار وأنشطة ومقالات فمن حقهم أن ينشروها في صحيفة الجامعة مادامت تتوافق مع طبيعة عملهم في الجامعة، فحاول إقناعي وضرب لي مثلا بالدكتور محمد عبدالملك المتوكل. ولما رأى عدم قناعتي بما يطرح قام بتجميد المقترح. *** هكذا عرفت الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في الفترة 1985- 1997م قبل أن أسافر للولايات المتحدة.
وقد تابعت أخباره ونشاطاته فلم تغير تلك المتابعة ما عرفته عنه مما ذكرته، فقد انخرط في النشاط السياسي الحزبي (إتحاد القوى الشعبية) وتولى الرئاسة الدورية لأحزاب اللقاء المشترك في الدورة السابقة، وكان ولا يزال عنصرا مهما في الحوارات والمبادرات والأنشطة والفعاليات، ولم يقصر مع ذلك في أداء واجبه التعليمي في جامعة صنعاء.
وخلال ثورة التغيير قيل لي أنه رغم شيخوخته كأنه شاب في العشرين، فبيته القريب من ساحة التغيير وروحه الشبابية جعلته من أكثر قياديي المشترك تفاعلا مع الشباب وجماهير الشعب، كما جعلته هدفا سهلا لحادثة مريبة لا يستبعد أن تكون محاولة اغتيال.
**** فبينما كان الدكتور محمد عبدالملك المتوكل مطلع الشهر الجاري يمشي كعادته في شارع كلية الشرطة داهمته دراجة نارية فأصابته إصابات خطيرة نقل على إثرها للعناية المركزة بمستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا. ورغم احتمال الشبهة الجنائية وإمكانية أن يكون الدافع محاولة اغتيال، سارع المصدر المسؤول بوزارة الداخلية للإعلان عن أن الحادث مروري بحت!!، وأن الجهات المختصة تحقق مع سائق الدراجة النارية!! ورغم إعلان المصدر المسؤول وعدم اكتمال التحقيق مع السائق، إلا أن بعض المواقع الإلكترونية التابعة للحزب الحاكم وصفت الدكتور محمد بالاعتدال وسارعت للربط بين الحادث وما أسمته بإصراره على «العودة إلى التدريس في جامعة صنعاء في الوقت الذي قاطع التدريس في الجامعة كوادر المعارضة اليمنية وهو ما أثار حفيظة وحقد قادة المشروع الانقلابي في اليمن»! وأكدت في الوقت نفسه استنادا إلى ما أسمته «مصادر مطلعة» أن «الدراجة النارية تابعة لأحد شباب الاعتصام»! بل وذهب أحد هذه المواقع للقول بأن الحادث «أتى في إطار التصفيات وانتقاما من المتوكل جراء مواقفه المعتدلة خارج نطاق المعارضة وكسر الحصار على جامعه صنعاء وذهابه إلى التدريس وانتقاداته للجنرال المتمرد وأولاد الأحمر الذين يدفعون باليمن نحو الحرب الأهلية» !! *** وفي الجانب الآخر ذهب موقع صوت الشورى التابع لإتحاد القوى الشعبية الذي يشغل الدكتور المتوكل موقع أمينه العام المساعد بعد أن أكد خطورة إصابة الدكتور إلى القول بأنه «يخشى مراقبون أن يكون الحادث متعمداً، فيما رجح مصدر مقرب من الدكتور المتوكل أن الحادث جنائي وفقاً للملابسات الأولية»! غير أن الموقع عاد في اليوم التالي لنشر بيان صادر عن الأمانة العامة لحزب إتحاد القوى الشعبية عبرت فيه الأمانة عن استغرابها لتصريح وزارة الداخلية الذي استبق التحقيقات وقال حتى قبل البدء فيها أن «الحادث مروري بحت»، فإنها تطالب الجهات المختصة بمواصلة التحقيق في الحادث وسرعة الإعلان عن نتائجه وإظهار الحقيقة للرأي العام، وبالأخص أن المتوكل شخصية سياسية معارضة لا يستبعد استهدافها في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد." *** والأسئلة التي تطرح نفسها هي: - لماذا سارع المصدر المسؤول بوزارة الداخلية إلى التأكيد بأن الحادث مروري بحت قبل أن يتم التحقيق مع سائق الدراجة النارية؟ وسارع الإعلام الرسمي لنشر ذلك؟ - لماذا ربطت المواقع التابعة للحاكم بين الحادث ومواقف الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ومن هي المصادر المطلعة التي استندت إليها؟ - هل يمكن اعتبار وزارة الداخلية والمصادر المسؤولة والمطلعة جهات محايدة تسعى إلى كشف الحقيقة أم إلى تغييبها ؟ - من المستفيد من محاولة اغتيال الدكتور محمد عبدالملك المتوكل؟!
*** وعشية سفر الدكتور محمد عبدالملك المتوكل لمواصلة علاجه في الأردن نسأل الله له الشفاء التام والعاجل ليعود إلى أهله وأصدقائه وإلى موقعه في الحياة السياسية والفكرية والأكاديمية الذي لن يملأه أحد غيره.
ونسأل الله أن يجنب اليمن واليمنيين شرور القتلة وأعداء الحرية والمساواة.