لم يكن التفرد بالحكم من قِبل شخص ما، أو حزب ما، عامل نجاح لأي بلد ما، كون في هذا نمط حكم يؤسس فيما بعد لدكتاتورية مفرطة، من نتائجها "السقوط الدامي" ودخول البلد في مستنقع لا نهائي من العنف المفرط. تجارب التاريخ تحكي أن التفرد بالحكم كان سبباً في زوال الدول، وسقوطها. في اليمن سقط "صالح" لأنه أراد التفرد بالحكم، وأنتج بسقوطه دوامة من العنف، تمخّض عنها وصول مليشيا متطرفة إلى السلطة بعد انقلابها تحت نزوة مطامع التفرد بالحكم أيضاً بطريقة غير مشروعة. دفعت صنعاء كثيراً ثمن وجود مليشيا الحوثي فيها، واحتلالها لمؤسسات الدولة، دفعته من دم أبنائها، ومن أمنها، وحتى من نظامها الإداري الذي أخلت به المليشيا الحوثية، وألغته لتبني لها نظاماً جديداً مبني على "السلالية"، إذ أصبح التواجد فيه وفي مؤسسات الدولة حكراً على من ينتمي إلى ذات "السلالة". التفرد بالسلطة، وبناء نظام حكم مبني على واحدية التوجه سواءً كان مذهبياً أو سياسياً أو اجتماعياً، وإلغاء الآخر وإقصائه من الشراكة وعدم القبول به سينتج عنه الفشل أولاً، ومن ثم الانفجار، إذ لا يمكن للبقية قبول أن يتفرد شخص ما بالحكم، أو أن تتفرد به جماعة مذهبية، أو حزب سياسي، أو قبيلة. الشراكة في الحكم، والقبول بالآخر، سواءً كان مؤيداً أو معارضاً هي أهم عوامل صناعة الاستقرار، وديمومة الأمن. في الجنوب نأمل أن نكون في منأى عن سلوك سياسة التفرد والإقصاء وإلغاء الآخر، كون مثل هذا السلوك لا يمكن أن يؤسس لجنوب آمن ومستقر. خرج الجنوبيين ضد نظام صالح، نتيجة سياسة الإقصاء والإلغاء التي تعمّد نهجها تجاههم، وبالتالي على ساستنا وقادة نضالنا ألا يكرروا ذات الفعل الإقصائي تجاه شركائهم في الثورة والنضال السياسي، يستوجب عليهم أن يعمل على قاعدة تتسع للكل، وتقبل بالكل، ويؤسسوا لأسلوب حياة وسلوك دولة وفق قاعدة "الوطن للجميع". هنا، ولأن المجلس الانتقالي بات يمثل قطاع كبير من الشعب، ويحمل -كما هو معلوم في برنامجه السياسي- هدف استعادة الدولة، فإن هذا التوجه لا يعطيه الحق في ادعاء التفرد بتمثيل القضية الجنوبية، أو ادعاء الوصاية، هو مكون من مكونات عدة، يلزمها التنسيق فيما بينها للوصول إلى عمل مشترك يُحقق للشعب هدفه، ولا يحق لأي منها ادعاء حصر التمثيل فيه دون الآخر. أدرك الانتقالي بدعوته الأخيرة للحوار مع بقية المكونات والشخصيات الجنوبية، أنه لا يمكنه المضي قُدماً في طريقه السياسي حال إصراره على إلغاء الآخر، وحصر تمثيل القضية الجنوبية فيه، بالمقابل فإن الدعوة للحوار وحتى يتحقق منها ضمان النجاح لا تستدعي وضع شروط مسبقة، فطالما أن الكل مؤمن بالهدف الرئيسي، فما دونه تفاصيل يجب ألا يُختلف بخصوصها. على الجنوبيين أن يكونوا أكثر وفاقاً، وقبولاً بالآخر، سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر لن تنتج سوى الخراب والدمار، وحمامات متوالية من الدماء، وما تجربة الجبهة القومية عنّا ببعيد.