المعروف للجميع ان الأحزاب السياسية تعتمد في نشاطها السياسي ليس على الأعضاء وحدهم والذين لا يشكلون في الغالب أعداد كبيرة من الجماهير وإنما تستفيد من جهود أنصارها والمتعاطفين معها وحتى المحايدون في كثير من الأوقات في الحشد والتجمعات الانتخابية وعند التصويت تعمل على جذب من يعتقد أن له مصلحة بنجاحهم في الانتخابات. كان لدينا نموذجين للعمل الحزبي في البلدان العربية وهما نموذج أحزاب السلطة التي تغوّلت في الوطن العربي وأصبحت نموذج لهذه الأحزاب يكاد يكون موحدا من نواكشوط غربا إلى صنعاء شرقا مرورا بالجزائر ومصر والسودان وسوريا، وهذه النماذج الحزبية يلتحق بها كبار موظفي الدولة ومن معهم في إقطاعياتهم ( مرافق عملهم ) بعد تحولها إلى شبة مؤسسات خاصة حتى يضمنوا البقاء في الوظيفة والترقية وتجنب مضايقات المخابرات ووجع الرأس. أما النموذج الآخر وهو ما يسمى الأحزاب الإسلامية (حقيقة لا نعرف من أعطاهم حق صك احتكار العمل باسم الإسلام والجميع في هذا البلد مسلمين) فهذه الأحزاب عملت معظمها في ظروف من العمل السري كثيرا عدا في اليمن فقد كانت شريكا فاعلآ في السلطة أو وجها آخر للنظام في تقاسم الفعل السياسي والسلطة والثروة والنفوذ حتى وقت قريب حين اختلفت الأهداف الخاصة لقيادات الطرفين في السنوات الأخيرة وتصارعت مع قيادات الحزب الحاكم حلفاء الأمس ولكنها لم تنقل الصراع مع النظام . ففي هذا البلد كانت مشاركتها في السيطرة على اقتصادياته عامل مهم جدا في تأمين موارد ماليّة كبرى كافية لإدارة عملها السياسي وزيادة بسط نفوذها فاكتسبت مزيدا من هذا بفعل قوة نفوذ المال السياسي بعد حصول قادتها على الموارد المالية الضخمة من خلال هيمنتها على جزء من صناعات النفط والأسماك والأراضي العقارية خصوصا في الجنوب بالإضافة إلى السيطرة على الاتصالات والتوكيلات التجارية وأخيرا وسائل الإعلام إعطاءها حضورا واضحا في ساحات العمل السياسي وهذا الذي دفع بالصراع بين قيادات حزب السلطة والإصلاح إلى مرحلة لم يعد التعايش بعدها ممكناً، كما أن عجز النظام عن القضاء على الحراك السلمي الجنوبي بعد 2007م وتحوله إلى معارضة قوية للنظام في الجنوب استطاع إسقاط هيبة النظام بسلميته وصموده في وجه آلة القمع الكبيرة المتوحشة وكشف صورة حقيقية عن هشاشة النظام ، شجع قوى المعارضة النظامية وعلى رأسها الإصلاح من خلال المشترك مع ظهور أولى نتائج ثورات الشباب العربي في تونس أن يلتحقوا بالشارع الذي خرج في مظاهرات عفوية تأييد للثورة التونسية والمصرية وان يأخذوا مكان الصدراة في إدارة المظاهرات في الساحات بعد أن أقصوا القوى الأخرى حتى الحليفة لهم كالاشتراكي والناصريين وأن يبدأوا صراعهم الخاص على النفوذ مع الطرف الآخر في النظام. كون ما سمي ثورة التغيير لم تكن ضمن أهدافها إسقاط النظام وإحداث التغيير الحقيقي اكتفى الإصلاح بما حققه من خروج مازال غير واضح لعلي صالح من المشهد السياسي وهو العدو الأكبر لأسرة آل الأحمر المتنفذين ماليا وقبليا وإعلاميا في حزب الإصلاح وبهذا اعتقد الكثير أن الفرصة أصبحت سانحة للإصلاح البدء في مشروعهم من خلال النظام وليس من خارجه أن يقومون على غرار ما تم في مصر وتونس وليبيا من البدء بإحكام سيطرتهم على السلطة التي يتحكمون في جزء منها مسبقا فظهرت ممارسات كان الإصلاح لا يجرؤ على التفكير بها كالحديث باسم الثورة لوحده وفرض طلباته على الرئيس المؤقت كما لو كان موظف لديهم وشن حملة تشويه كبيره ضد الخصوم السياسيين القائمين والمحتلمين مستغلا حالة الإرباك التي ظهرت عليها بعض القوى السياسية الأخرى. هنا لابد من الاعتراف بأن ثقافة الإقصاء التي يرعاها التيار النافذ في حزب الإصلاح بعد أن ظهرت في الساحات كما أسلفت والعداء لما هو مخالف لمصالحهم وتوجهاتهم أصبحت واضحة للجميع ، فعملية الإقصاء هذه التي سادت فى الساحات لم تتوقف عند ذلك, بل استمرت بعد سقوط علي صالح مع الإحساس بالانتصار على خصمهم الأول، فإذا كانت عملية الإقصاء تتم فى الماضي بسبب وبغير سبب، فما بالنا الآن وهناك خصوم إشداء محتلمين لا يمكن للإصلاح أن يصل إلى مآربه دون القفز عليهم بعد أن كان يتغنى بقضاياهم وعدالتها فأصبح لديه مقياسين لهذه القضايا، فأصبح السبب مؤكدا وملموسا في نظره وهو إقصاء القوى ذات النفوذ القوي كالحراك الجنوبي في الجنوب والحوثيين في شمال اليمن هذه القوى التي لم تترك ساحاتها لأنصار الإصلاح فقط خلال ما سمي بالثورة بل استطاعت ان تخرج أنصار الإصلاح وتفرغ ساحاتهم تماما من مناطق كاملة مما دفع بحزب الإصلاح إلى اللجوء إلى ممارسات ترهيبية بوسائل إعلامية متطورة بعد أن امتلك الحزب آلة إعلامية قوية بفضل رأسمال النافذين والفاسدين من حلفاء النظام الذين التحقوا بموجة ما سمي بالثورة، و بدأو حملتهم في محاولة لتشويه هذه القوى والتعمد في الإساءة إليها. من هنا يمكن القول ان الاصلاحيين قد أخطأوا فى قراءة الواقع حين ألقوا بانفسهم في مواجهة قوى تمثل قضايا عادلة لأبنائها ومناصريها، وكذلك محاولاتهم الاستئثار بمؤسسات الدولة من خلال إحلال عناصرهم أو من يعتبرونهم من أنصارهم في المواقع التي يتم خروج عناصر الرئيس المخلوع منها. مما يجري يتضح أن الإصلاحيين قد بدأوا يخسرون بالطبع ليس أعضاءهم فقط فهولاء مطيعين ولكن من الأنصار الكثيرين الذين يكتشفون انتهازية حزب الإصلاح وكذلك الجمهور المحايد الذي كان يعتقد بنبل أهداف الإصلاح ليكتشف في الآخر أنهم يشتغلون سياسة بعيدة عن القيم ولباس الدين ومصالح دنيوية ولم يعد يرى فيهم إلا وجهاً آخراً للنظام الفاسد المناطقي والأسري وذلك بسبب أخطاءهم.
إذا كان الإصلاحيين قد كشفوا عن مواقفهم تجاه خصومهم المحتملين من الحراك السلمي الجنوبي خصوصا فان الشيء الملفت أنهم لم يلعبوا أي دور في الحد من نفوذ ما يسمى أنصار الشريعة في أبين والبيضاء وهم الذين أثاروا الرعب لدى الجميع وأسآلوا الدماء ودمروا البنى التحتية في أبين دون أن نرى نفس الحماسة لدى الإصلاح لإقصاءهم أو مواجهتم كما حصل مع القوى السلمية الأخرى في المجتمع وهي في الحقيقة ما تثير العديد من الأسئلة حول هذا الأمر في أوساط الناس عامة والمراقبين خاصة. فهل بدأ الإصلاح في السير على طريق الانحدار ؟؟؟؟؟؟