في برج هانورا مقابل القرية الفرعونية وفي بيته المطل على النيل استقبلنا الرئيس أنا وولدي أسامة، ما أن فتح لنا الباب حتى أخذتنا ردهة طويلة إلى صالة مفروشة أشبه ماتكون بقاعة كبيرة يفصلها جدار إلى قسمين وفي تلك الصالة وقف الرئيس بطوله الفارع مصافحا سائلا : الأستاذ ناصر الوليدي؟ قلت : نعم. فأعاد معانقتي مرة أخرى، ثم احتضن ولدي أسامة ومشى معنا خطوات حتى أجلسنا على أرائك جميلة بجانب نافذة زجاجية تطل على النيل والقرى والمزارع التي في شطه، وقدمت لنا الفاكهة والعصيرات،و بعد الترحيب وكلمات المجاملة استأذن ليكمل حديثه مع بعض الزوار ومناقشة بعض الأمور السياسية، كما فهمت من بعض الكلمات التي تصل إلى مسامعنا . لم يستكمل الرئيس تلك الجلسة حتى كانت طاولة الطعام تزدحم بمختلف المأكولات فنجلس حولها ويتبادل البعض أحاديث متنوعة حول السياسة والتاريخ والسفريات وكان الرئيس يغرف بنفسه الرز واللحم ليضعه بين يدي أنا وولدي ويختار بعض الأطعمة ليضعها في متناولنا. وبعد الغداء جلس إلينا يسألنا عن أخبار منطقتنا مودية وأخبار أهلها ويستفسر عن بعض المشاكل التي نشبت في تلك الفترة حتى جاء الحديث عن الذكريات والثورة والمناضلين والشخصيات الوطنية في المنطقة ودورها الكبير في الثورة والتحرير فتذاكرنا دور محمد علي الرباش ولقلم وسالم علي سالم وآخرين، وكان الرجل يتكلم ببساطة وتواضع ويسأل سؤال المستفسر الشغوف بأحوال البلاد، وأخبرني أنه انتهى من تأليف عدة كتب وهي الآن تحت الطبع. أولها مذكراته والتي هي أربعة مجلدات تحت عنوان {ذاكرة وطن}: 1) عدن من الإحتلال إلى الاستقلال. 2) عدن من الثورة إلى الدولة 3) السياسة الخارجية لليمن الديمقراطية. 4) الوحدة اليمنية. هذه هي مذكراته وهي في نفس الوقت مذكرات وطن أو كما سماها ذاكرة وطن. وكذلك كتابه الآخر {حديث الالفية} وكتاب{حدائق الخالدين} وهو عبارة عن تراجم وذكريات لعدد من الزعماء الذين ربطته بهم صداقة أثناء وجوده في السلطة. أما كتابه{الطريق إلى عدن} فهو يعود إلى ذكريات من زمن الخمسينات حيث سافر من دثينة إلى عدن على الجمال مع ثلاثة من الرفقاء حيث قضوا مسافة السفر والتي هي ثلاثمائة كيلو قضوها في أحاديث متنوعه من العادات والتقاليد والأخبار والأشعار والتاريخ والسياسة والزراعة ومواسمها وما شابه ذلك. وكتابه الأخير{القطار} فهو ذكريات رحلته في قطار حول بعض الدول الأوروبية وزيارة أهم المعالم والآثار ومجموعة خواطر وانطباعات وتنزيلها على واقعنا اليمني. كان ذلك حديثه عن كتبه التي لاتزال تحت الطبع وقريبا ستكون في المكتبات بإذن الله تعالى. وبعد حديث مطول عن الثقافة والكتب والتاريخ والثورة والدولة جاءت لحظة الوداع فصحبنا إلى الباب وأخذ يمازح أسامة الوليدي ويضرب على كتفه ويحثه على مواصلة تعليمه والإهتمام بالدراسة والعلم ثم أخذ بأيدينا مصافحا وهو يقول : لقد سعدت بزيارتكم وفرحت باهتماماتكم الثقافية وأرجو أن تكرروا زياراتكم ما دمتم هنا في القاهرة. ناصر الوليدي - القاهرة