منذ تحرير مدن من تلك المليشيات ولأكثر من ثلاثة أعوام والحياة فيها تسير وفق منهجين ، أحدهما يغاير الآخر من المنبع وحتى المصب ، منهج متعلق برأس عنترة العبسي باعتباره الرأس المقدس الذي نستلهم منه القوة والصمود والشجاعة ، ومنهج آخر يجاهد لسحق رأس العبسي وتحويل سيفه الذي يقطر دماً وثأراً وعنجهية إلى ملاعب للأطفال ومزارع للورود ، وما اشتداد الصراع وتنامي حدته ، انتصر رأس عنترة المتعنت المظلم على رأس الحياة المشرق المضيء فانتشر الفساد في كل مكان ، وأصبح العقل الناضج يلوذ تحت طيش السيف وتهوره ، واتسعت دائرة المقدسات لتضمّ بين جناحيْها ، الواعظ الأعمى ، والسياسي الأبكم ، والتاجر المحتال . ومع استمرار تغذية الفساد الأخلاقي ، والفكري ، والسياسي ، والاجتماعي بفيروسات الخطاب المثالي الأجوف والهادف إلى بقاء الرؤوس في مستنقع الخنوع والخوف والتردد ، بدأ ( التطبيل ) السياسي يدير العملية السياسية وفق توجيهات السيف الملوث بجراثيم الحقد والتسلط والتخلف ، وقفزت (المراهقة) الفكرية إلى عرش التوجيه والإرشاد والمتابعة ، وأصبحت شعارات ( الصفوة ) ترسم للناس معالم الطريق الذي يقودها إلى الخراب ، وبدأت الحياة بالتراجع وسط حملات التضليل والتعتيم التي يمارسها سلاطين النهب والسلب والاحتيال . إنّ ما تمخض عنه سيف عنترة اليوم ، هو المزيد من إراقة الدماء ، والمزيد من حالات التشرد ، والجوع ، والمرض ، والمزيد من سحب الرؤوس إلى حاضنات الوهم والخرافة ، حتى وصلنا إلى مرحلة الانحطاط الشامل ، وأصبحنا أمام مفترق طرق خطير ، أمّا التعلق بسيف ومبادئ عنترة القائمة على البطش والقوة والتهور ، أو الالتفات إلى الحياة ، لنتعلم منها فنون الفرح والتفاؤل ونمارس عشقنا معها ونفتح أبوابها ونوافذها للشمس ونتمتع بسخاء كرمها ، وجمال عطائها بعيدا عن رأس وسيف عنترة الذي أوصلنا إلى مرحلة الخزي والظلام والهزيمة . وحسبنا الله ونعم الوكيل...