من باب التذكير فإن فترة معينة أو مرحلة بذاتها قد تستدعي السياسي أن لايثق بأهل الاختصاص، ولا أعلم – حتى الآن – لماذا أسند المرحوم جمال عبدالناصر مؤسسة (الجمهورية) في مصر للمرحوم محمد أنور السادات أول الثورة المصرية، ولربما كان السبب هو أن الثورة كانت بحاجة إلى إسناد شعبي، يصدر عن توجيه إعلامي سياسي، مصدره مجلس قيادة الثورة، وقد كان عبدالناصر يقوم بكتابة(مانشيت) الأهرام بالتلفون، بل كان – كما قال هيكل – يزور الأهرام في ش الجلاء، متنكراً، ليطمئن على السياسة الإعلامية، فالأهرام هو قلب القاهرة النابض، والجريدة شبه الرسمية لمصر، وهو زاد الصفوة في الداخل والخارج، ولما طلب السادات – وقد أصبح رئيساً – إلى هيكل أن يرأس التحرير من جديد، أطاعه فترة ثم غادر الأهرام بسبب افتتاحيته الساخنة التي رأى السادات أنها تستهدفه، فعين بدلاً عنه علي حمدي الجمال. كان هيكل يكتب الافتتاحية بعنوان (مجرد رأي) وهو بهذا العنوان (التقيّة) كان يحاول أن يتجنب مغاضبة السادات، مركزاً على ثلاثة أمور، أن ضمان استقرار مصر وتقدمها هو ديمقراطية حقيقية، وأن مصر ينبغي أن تحسم أمرها، فالميوعة ازاء الكيان الاسرائيلي دون حرب أو سلام، يؤخر تقدم مصر، أما الأمر الثالث فإن مصر ينبغي أن تعتمد على ثرواتها القومية، وأخطر ثروة على الاطلاق هي الإنسان المصري. إن هيكل كان يضيق بالتدخل في مهنته، سواءً أكان هذا التدخل من عبدالناصر أم السادات، بل إن الأخير حاول أن يصنع هيكله الخاص، فكما كان محمد حسنين هيكل لعبد الناصر، فإن أنيس منصور للسادات، وأنشأ له لهذا الغرض مؤسسة أكتوبر ومجلة رأس تحريرها. قامت الجمهورية الثانية كما يطلق عليها مثقفو مصر في 25يناير، وثار الإعلاميون، وبخصوص الصحفيين على رؤساء التحرير، مما جعل صحفاً (وقورة) كالأهرام تغير عنواناتها (مانشيتاتها) لتواكب الثورة الوليدة، فلقد أصبح الإعلام يتملق الجماهير، وأصبح التقليديون المحافظون جداً من كبار المجددين، لتغيير الزاوية (180 درجة) لأن من طلبات المصريين هو أن يكون الإعلام المصري صادقاً.. ولنا غداً لقاء.