تضج الدنيا وتقوم ولا تقعد إن قتل رجلاً "أجنبي" أو خطف سائح "غربي" وتتعالى أصوات الإدانة والتنديد وتتوالى رسائل الشجب والاستنكار ويترقب الكل الجديد في هذه القضية ويتداولون أخبارها ويتابعون مجرياتها وتصبح حديث الساعة إلى ان نجد لها الحلول والمخارج. وفي اليمن يقتل الآلاف ويتشرد الآلاف ويموت الآلاف ولا نحرك ساكن بل على العكس نستكين ونخضع ونتذلل ونصمت,ونتابع كل شيء بهدوء دون أن ننطق ببنت شفة وأحياناً نتناسى الموضوع كلياً ولا نذكره أو نذكر تلك الدماء التي سالت وتلك الأرواح التي أزهقت وتلك البراءة التي وأدت,وكأن دماؤنا كيمنيين حلال لمن أراد أن يسفكها وأرواحنا تسلية لمن أراد أن يعبث بها.
وبالأمس رأينا وشاهدنا ما حدث لأبين,وكيف عانى أهلها وتشردوا ونزحوا؟ وكيف دمرت مساكنها وتعطلت مصالحها؟ ودارت رحى الحرب فيها عام ونيف وتأقلم الكل على المد والجزر في هذا المشهد ألأجرامي الهمجي الذي يرمي لأهلاك الحرث والنسل ولم يحرك ساكن بداخلنا,عام وأكثر وأبين ترزح تحت الظلم والضيم والقهر ولا زالت وأظنها ستظل هكذا ربما أعوام أخرى حتى تعود الحياة فيها لطبيعتها والمياه لمجاريها,هذا إن لم يطراء جديد في المشهد السياسي,ولم يتراجع مخرج المسرحية الهزلية عن قراره ويعيد أبين لنقطة البداية..واليوم هاهو السيناريو ألأجرامي يدور في " منصورة" عدن إن لم يكن عدن كلها ويؤدي أدواره نفس "الهزليون" والأجراميون ولكن بطرق حضارية وراقية ووحشية.
دماء تسيل وأرواح تزهق وأنفجارات تهز الأرجاء وحياة تتحول إلى جحيم يسودها الفوضى والعشوائية والهمجية ويتخللها الخوف والرعب والذعر والضيق,في "منصورة" عدن يتساقط الشهداء الواحد تلو الآخر ويتلذذ بقتلهم القناصة بدم بارد وأعصاب محنطة وقلوب متحجرة وكأن هؤلاء الشباب الذين تغتالهم رصاصات الحقد والبغض ليسوا بشراً حرمت دماؤهم وأرواحهم إلا بالحق على الرغم من أن الحق يحتاج لدلائل وبراهين يثبت بطلان الآخر وزيفه وخطأه,ومع هذا لم يتحرك العالم أو يثور الشعب اليمني أو ينتفض الأحرار,بل يسكبون مدامعهم ثم " يثلجونها" ثم ينتظرون أن يموت آخر ليذرفوا ذات الدموع " المثلجة" ويستمر المشهد الإجرامي بذات الوتيرة ونفس الأداء كل يوم والعالم والشعب اليمني يقف موقف المتفرج ويستمتع بمشاهدته ويتلهف لجديده..والثكالى والأرامل والمفجوعون هم من يعضون أنامل الحسرة والغيض والندم..ويقول بصمت صمتكم يقتلنا...