على هذه الأرض مات رجالُ كثير ، ومن عاش منهم صار مطيّة للجبناء، الجبناء وحدهم من يملكون سر البقاء ، وحدهم من اجتمعت فيهم أسباب السلطة . هذه الأرض طاهرة ، لا تبلع إلا الرجال ، أما الجبناء فتلفظهم ، لهذا يعيش الجبناء طويلاً ، أما الرجال إذا عاشوا .. لا يتنفسون ، وبطل قصتنا انقطعت أنفاسه من زمناً بعيد ، انقطعت عندما حمل بندقيته أول مرة ليذود عن وطنه في حرب الأيام العشر ، لكنه رمى بندقيته عندما لم يجد الوطن الذي كان ينشد ، ورمى ببندقيته كرة أخرى في حرب صيف 94 عندما لم يجده فيها .. فقرر أن يتخذ من عمله كإعلامي وسيلة للبحث عن الوطن ، أعياه البحث ، ونال من عافيته ما نال ، لكنه لم يفقد الأمل ، ولم تهبط عزيمته ، استمر بالبحث المضني عن وطنه المنشود عندما حمل بندقيته للمرة الأخيرة في حرب 2015 ، ثم ترك الميدان لينشغل في مساعدة النازحين ، وعندما وضعت الحرب أوزارها ، استمر في بحثه عن الوطن من خلال مناصرة الضعفاء والمظلومين ، ومناداته بحقوق الناس في العيش بكرامة . وذات يوم جاءه حماة وطن ، اقتحموا منزله ، روّعوا أسرته ، ثم اقتادوه إلى المعتقل ، وهناك عثر على وطنه أخيراً .. عثر عليه في صرخاته المقهورة .