هبوب الربيع العربي كان الحدث الأبرز في العام 2011م.. بدأ بهروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ثم تسارعت أحداثه في مصر، وما هي إلا 18يوماً حتى اختفى قسراً الرئيس محمد حسني مبارك تاركاً لنائبه عمر سليمان الذي عيّنه خلال أيام الثورة مسئولية إعلان تنحي فخامته ليختفي بدوره تحت ضغط الثورة عن المشهد السياسي برمته. في ال25 من يناير2011خرج شباب مصر إلى ميدان التحرير في القاهرة ليعلنوا للعالم أن جيلاً جديداً من العرب سيغير شكل المنطقة، وهذا ما حدث فعلاً وقد أثبتت الأحداث التي بدأت شرارتها بواسطة جسد التونسي البوعزيزي والمصري خالد سعيد الذي قتل بأيادي أمن الدولة، أثبتت أن زوال أنظمة دكتاتورية ضرورة حتمية كي تستطيع الشعوب العربية المقموعة والمنتهكة تقرير أسلوب حياتها القادمة بحرية وديمقراطية وكرامة. وحين ظهر المخلوع بن علي قبل ساعات قليلة على هروبه في الفضائيات يستجدي عطف شعبه؛ أدرك الشباب العربي أن إسقاط أنظمتهم الفاشية مسألة تحتاج إلى التسلح فقط بإرادة التغيير الحقيقية بوعي حضاري بلغ قمة روعته في ميدان التحرير الساكن في قلب القاهرة والذي استطاع أن يوحّد المصريين كما لم يكونوا من قبل. فتهاوى “مبارك” الذي سخر من شباب “الفيسبوك” ثم هدد وتوعد، ثم استدرّ عطفهم باستعراضه تاريخه البطولي “الزائف” من “أجل مصر وأبناء مصر” دون فائدة، فصدى صوته لم يتجاوز منصة خطابه الذي اختتمه بالدعاء لمصر ليستجيب الله دعاءه ويحفظ مصر فيما يستقر “مبارك” وبطولاته الكاذبة وأبناؤه وكبار قيادات نظامه في سجن طرة منتظرين عدالة لم يمنحوها لشعوبهم ويطلبوها الآن. مثل مبارك فعل الرئيس علي عبدالله صالح ولم يتأمل في مصير زين العابدين ومبارك.. قال صالح: اليمن ليست مصر أو تونس؛ ثم ذهب إلى القبيلة يستنفرها ويحرّضها ضد ثورة سلمية خرجت إلى الساحات اليمنية في 11فبراير ولم تغادرها حتى الآن رغم أن «صالح» قد غادر شرعيته كرئيس لبلد أساء إليه كثيراً. وفعلاً اليمن لم تكن مثل مصر أو تونس، فإرادة شباب هذا البلد البائس في التغيير وصلت إلى أقصى مداها وبصورة مثيرة للإعجاب.. ورغم ظروف استثنائية بالغة التعقيد تدخل فيها الجيش الموالي لشخص الرئيس وليس للوطن.. فضلاً عن دول الخليج التي خافت أن يطالها المد الثوري فعملت جاهدة على التدخل في لجم ذلك المد مهما كان الثمن. نعم اليمن مختلف عن الجميع.. فمن أجل مستقبله ترك أبناؤه أكثر من 50 مليون قطعة سلاح في منازلهم وهرعوا إلى الساحات لتحقيق أحلامهم المصادرة طيلة 3 عقود.. أحلامهم البسيطة التي تشبههم والمختصرة في دولة مدنية يسود فيها النظام والقانون. واليمن مختلف لأن القبيلة التي شوّهت وظلت مقرونة بالعنف والقتل زمناً طويلاً هبّت إلى الساحات في مشهد حضاري آسر، وهناك ولأول مرة في تاريخها أنشدت زواملها بلا بنادق.. غابت دعاوى الثأر والحرب وحضرت في كلمات تلك الزوامل وفي قلوب منشديها الدعوة إلى الحياة.. وحين تحضر هذه الدعوة فلا صوت يعلو عليها. سيرحل الرئيس الفخري إلى أمريكا للعلاج، وسيستقر كما تؤكد الأنباء في أبوظبي.. وبعد عام دامٍ وغير مسبوق في تاريخ اليمنيين يبدو رحيل الرجل مشرّفاً إلى حد ما، وهذا الشيء مقبول من الكثيرين سواء كانوا خصوماً له أم موالين؛ فما ينتظر البلد أهم منه ومصيره. شخصياً لم أتمن للرئيس صالح نهاية شبيهة بنهاية القذافي.. إيماناً مني بأن الثورة هي مجموعة قيم خلاقة تبدأ بإحداث التغيير وتستمر بالتسامح.. وقد تنتهي بالأحقاد و ربما لن يشهد جيلنا الحالي على الأقل أحداثاً كالتي حصلت في 2011م، لكننا لن ننسى مشاهد السقوط “المذل” لهبل وبقية الآلهة. ومن المؤكد أننا سنكون حذرين جداً من أن نصبح مطايا لزعامات هلامية جديدة يختبئ الوطن تحت عباءتها.. محتفظة بالمجد كصنعة تمُن بها علينا تماماً كالمعتوه القذافي الذي وجد كجرذ في مكان يليق به وأمثاله وانتهى مجده على وقع نعال أبناء شعبه. كم هي منصفة عدالة السماء حين مكنت الشعوب من رسم ملامح أوطانها بألوان زاهية. * * * أستغرب حقاً من الإخوة «المؤتمريين» وهم يدافعون بشراسة عن فاسدين أساءوا إليهم وإلى الوطن عندما فرّطوا بالمال العام وجعلوا من مؤسسات الدولة ملكية خاصة بهم ينهبون إيراداتها ويتعاملون مع موظفيها وكوادرها بمزاجية طافحة؛ ضاربين بالنظم واللوائح الوظيفية عرض الحائط.. ثمة فرق بين الحقوق والمكرمات.. وبين النظام والمزاجية.. والمرحلة الجديدة التي نتهيأ لها يجب أن يكون الرابح الأكبر فيها «الوطن» ومن العيب أن نجعل مجموعة فاسدين عائقاً أمام تجاوزنا سلبيات الماضي.. فالفاسدون يزدهرون إذا كانت المجتمعات متسامحة معهم.