منذ مدة طويلة لا أتابع شيئاً في التلفاز ، هذا إذا استثنينا ( أم بي سي 2 ) &( ماكس ) من القائمة العربية المملة ، لاشيء حقاً يمكن أن يكون جيداً كفاية لأشاهده ، إلاّ نادراً ، يسري الموضوع منذ سنوات على الشهر الفضيل ، بعضنا لا يستسلم بسهولة لعملية الابتزاز المبتذلة التي تمارسها القنوات العربية في رمضان ، أعترف بأني أقف أحياناً لأشاهد فساتين ( حليمة بولند ) البهيّة قبل أن تفقد تلك الثياب ألقها سريعا في مواجهة حساسية التصنّع الحاد التي تنقلها هي للشاشة ، و على ذكر الشاشة ، بالمصادفة شاهدتُ حديثا إعلاناً لمسلسل الفاروق عمر ، و فكرتُ أن لا شيء يمكن أن يكون أفضل من خيار كهذا لتكسر به غرورك نحو الشاشات العربية .. ماهي إلاّ أيام حتى استشرت الحملات في كل مكان تدعو لوجوب مقاطعة ( أم بي سي ) بموجموعتها و الدعاء بالويل و الثبور على القائمين على القناة و العمل ، و راح الغيورون على الدين يعقدون المقارنات بين الرسام الدنماركي و المسلسل العربي و يجزمون قطعياً بأنه سيلاقي نفس المصير ، لا أعرف مصير الرسام الدنماركي بعد ، لكني متأكدة أن تصوير عمل يبجل ذكرى الفاروق سيشاهده بالضرورة أناس على درجة من الفطنة تسمح لهم بالتفريق بين الفاروق الخليفة و عمر الممثل ، لا يمكن أن يكون إساءة للدين و لا حتى لشخصية عُمر فقط لأنه استبدل بقع الضوء في التقاليد الدرامية السابقة بممثل من لحم و دم ، و لا أعتقد أن الله سيحاسبك على عقل وهبك اياه لغرض الاستخدام و التفريق إذا ما قررت متابعة العمل ، أو هذا رأيي المجرد على الأقل ، هامش : بعثت إحدى السيدات بسؤال لواحد من أشهر المواقع الإسلامية العربية المختصة بالفتاوى الشرعية ، كان سؤالها عن جواز رقص المرأة لزوجها من عدمه ، أجاب عليها الشيخ بقوله : * الحمد لله لا حرج على المرأة أن ترقص لزوجها ، وهو أمرٌ قد يُدخل حبها في قلبه ، ويمتعه بما هو حلال ، ولتنول الزوجة بهذا : التودد لزوجها ، وكف بصره عن المحرمات ؛ لأن بعض الأزواج يقع في معصية النظر المحرَّم للراقصات ، وهذا يجوز بشروط ، منها - أن لا يصاحب الرقص آلات موسيقية ومعازف هكذا يتم تصنيع الفتاوى في مجتمعاتنا العربيةللاستهلاك الاستغبائي ،و هكذا تصبحالنمطية الفكرية العربية و منها الدينية كارثية حقاً ، نحن مجتمعات مسجونة في رؤوسها ، لذا فالخروج عن التابوهات يدفع بصاحبه إلى مزلق الاستهجان الوقتي غالباً ، لكنه بالتأكيد يصنع منه عتبة أخرى نحو الحقيقة يرتقيها آخرون و يبنون عليها النهضة ، نتذكر جميعاً قبل عامين الهجوم الذي تعرض له المخرج الشاب ( عمرو جمال ) ، بسبب مسلسل ( أصحاب) ، لم يكن المسلسل يقترب من التقاليد الدينية و لا حتى الاجتماعية من منطلق أنه مسلسل عدني ، لكنه كان فُجائياً و صادما لآخرين ، من يعتقدون أن ظهور شخصيات مشتركة ( اعني ذكوراً و إناثاً ) تُقدم قالباً حداثياً لفكرة الصداقة و الزمالة بين جنسين في اليمن يمثل خدشاً مؤلماً للتقاليد المنتفخة بالوهم . تعود فرقة ( خليج عدن ) بقيادة الربان ( عمرو جمال ) لتكسر تابوها آخر في رمضان القادم في أول تجربة للمسرح التلفزيوني مع ( حافة الأنس ) ، و تعود معه أموله ( أمل كعدل ) لتغني لأول مرة تترا لمسلسل ، و تظهر فيه الطائفة ( البهرية) لأول مرة في عمل تلفزيوني ، و تجتمع اللهجات التي تصدح من حاضرة التنوع ( عدن ) مع بعضها لأول مرة في التلفزيون ، هذا و لو عرفنا أن العمل كتبه مجموعة أصدقاء يكتبون عملا للتلفزيون لأول مرة ، سيكون أمامنا من " المرات الأولى" الكثييييير مما سيجعل هذا العمل المميز ، يستحق أيضا أن نكسر به غرورنا نحو الأعمال المحلية النافرة من النمطية الكهلة .