جرت العادة منذ عدة سنوات في بلادنا أن الحاج اليمني حين يعود من إداء فريضة الحج في المشاعر المقدسة بالمملكة العربية السعودية يتربع على عرش المقيل لعدة أيام والناس تنصت له بخشوع عجيب لكنه لا يشرح لهم كيفية إداء المناسك وروحانية المكان كما تعتقدون بل يشرح لهم رحلة الشتاء والصيف التي قضاها يجري من مكان لأخر بين المشاعر- يبحث عن سكنه الذي التزمت له الوكالة فلا يجده وعن الطعام والشراب فلا يجد الا ما يسد نفسه فتجد لسانه تنطق لا اراديا اللهم اني نويت ان اصوم غدآ طاعة لله وغضبا على الشيطان فينوي الصيام كونه أفضل وأنجع الحلول للهروب من فول جرة تحيط به الحشرات الطائرة والزاحفة من كل جانب ومع استرسال الحاج في الحديث عن مآسيه ومعاناته يغمزه حاجآ أخر في طرف المجلس ليتحدث عن بركة الله التي حلت عليه حيث وقع بين أحضان وكالة لا يخاف صاحبها رقابة وزارة الأوقاف الغير موجودة اصلا بل يخاف الله فيقدم لحجاجه القليل من حقوقهم لكنها تكون عظيمة عند الحائزين عليها وهم يتلفتون يمنة ويسرة فيجدون رفاقهم في الوكالات الاخرى بين حرارة الجو وجحيم المعاناة.. شخصيآ كنت واحدا ممن هم مستعدين لإلقاء خطبة الوزير قبل ان يتفوه بها في ختام الموسم ففي كل عام يكررون نفس العبارات لدغدغة عواطف الحجاج مستغلين عاطفتهم الدينية الجياشة واذا ماصرخ احدهم مشتكيا من عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه يقاطعونه بالقول أن الحج مشقة وفي المشقة أجر عظيم وفي خضم الخطاب العاطفي يتفاجأ الحاج بأحدهم يهمس في أذنه لا تفسد حجك بالصياح واحتسب الاجر عند الله فيذعن الحاج لنصيحته الأنيقة وهو يراه بذاك الثوب القصير واللحية الكثيفة الغير مشذبة كما ورد في الاثر يشع من وجهه نور الكريمات والبرت بلاسات يعمل لحساب احدهم دون أن يظهر عليه ذلك فينتهي الموسم دون ادنى قلق للوزارة والوكالات وهكذا استمرت لعبة الكريكت تقوم فيها الوزارة والوكالات بدور المضرب والحاج بدور الكرة وفي كل ضربة يهرول الحاج ليشتكي لأقاربه وأصحابه فينصحونه ايضا بحمد الله وشكره على أداء الفريضة العظيمة. جاءت الحرب فقلنا حلت الطامة الكبرى فإذا كان الحاج يعاني كل ذلك في ظل الظروف الطبيعية فكيف سيكون وضعه بهكذا مصيبة فأنشج المجتمع بصوت تئن له عظام السامعين_ يالطيف يالطيف اجعل للبلاء تصريف فاستجاب الله دعوتهم على ما يبدوا حين أعلن فخامة الرئيس عن تغيير وزاري شمل وزارة الأوقاف فجاء الينا بوزير قبل ان يرتدي جلباب الوزارة تمسك بجلبابه الرئيسي كقاضي ليصدر حكمه المستعجل في إلغاء عقد الزواج الكاثيولوكي بين الوزارة والوكالات كونه يخالف نصوص الدستور والقانون وديننا الحنيف فاتحآ المجال للطرفين ليؤدي كل منهما دوره بما يخدم الحاج اليمني ورغم التراكمات الكبيرة التي تعيق أي عملية انطلاق بالمجمل الا ان موسم حج العام الماضي كان استثنائيا ليس للوزير وطاقمه بل للمجتمع اليمني حين وجدنا الاشادة من الجانب السعودي في سابقة لم نعهدها من قبل واثبتت لنا ان اليمني كما يقال عنه دوما يثبت جدارته حين تسود الدنيا في وجهه وتتراكم الازمات فكانت ازمة الحرب وتعقيدات السياسة دافعآ لتغيير اعاد لنا بعضا من احترام العالم لنا ونحن نرى الجانب السعودي يدعو البعثات للاقتداء ببعثة الحج اليمنية.. اتحدث هنا ونحن نطل على موسم جديد ولا اخفيكم ان القلق ينتابني ان يكون نجاح الوزارة العام الماضي دافعآ ليتراجع اداءها فكما تعلمون حتى لاعبي منتخبنا الوطني اذا ما فازوا في مباراة كرة قدم وصفق الجمهور فرحا أخذهم الغرور ليدخلوا المباراة التي تليها وقد تحولنا الى المنتخب اليمني للهزائم.. ما دفعني لكتابة المقال هنا هو الانسجام العجيب الذي حل علي بالأمس وانا أشاهد نشرة إخبار قناة اليمن دون ان اهرب من الإخبار الى ميلودي افلام او روتانا سينما وارى وزير الأوقاف الدكتور عطية في منفذ الوديعة البري يعلن عن بدء استقبال حجاج اليمن كأول بعثة عربية وهنا بدأت رحلة البحث في إجراءات الوزارة لهذا الموسم فوجدت ان ضمن شروط العقد بين الوزارة وجميع الوكالات ان تكون حافلات النقل موديلات حديثة ورأيت الوزارة قد الزمت الوكالات في العقود ايضا بأنواع محددة من الاطعمة تمت بتسميتها بمنيو محدد وبمناقصات رست على عدة مطابخ راقية ناهيك عن السكن الذي يحمل مواصفات عالية ضمن شروط العقد ايضا والكبيرة التي جعلتني اعض اصابع الندم وأشعلت الحسد في قلبي ان المخيمات اليمنية في المشاعر المقدسة ستكون مكيفة بتكييف اسبلت لا صحراوي كما جرت العادة وانا اللي حجيت سابقا وسط لهيب الحر تحت مكيف صحراوي بمخيمات مزرية تسمع فيها نشيج المكيف كطاحون الحاج عبادي وهو يصرخ : قتلني الحر مثلكم فكوني يا بو يمن لا فتح عليكم..!! تعودنا منذ زمن على الردح والقدح وعلى النتائج السلبية لجل القطاعات الحكومية حتى أصبح النقد والشجب والتجريح مسلمات يومية نتلذذ بتناولها ولا ادري لماذا وانا اكتب هذه الكلمات اشعر بالحسرة وكأني أتمنى ان لا تنجح قيادة الوزارة في تنفيذ ومراقبة تطبيق كل شروط العقد مع الوكالات لأواصل عاداتي اليومية المفضلة بالنقد الجارح بسبب وغير سبب وكلام في سركم ( ليت الوزارة تنشغل عن الحجاج كما كانت منذ عدة سنوات حتى ارتدي قناع ذاك المطوع ابو الثوب القصير واللحية الكثيفة الغير مهذبة فأرى الحاج يشكي لأهمس في إذنه بروحانية تقشعر لها الابدان الحج مشقة لا تفسد حجك بالمطالبة بحقوقك فيشكرني بخشوع )