تحوّل مبدأ التصالح والتسامح الى فعل حيّ عندما لم تفسده النخب فتفاعلت الجماهير معه بمختلف مشاربها ورممت به ذاتها واستعادت به وعيها وتوازنها ثم انطلقت في حراكها السلمي لاستعادة ذاتها الحضارية وكيانها الذي سُلب احتلالا باسم الوحدة . إن سلاح السلمية هو الشارع واعتصاماته وتوسيع ووحدة حشده والابتعاد عن ما يؤثر سلبا عليه و بناء خطاب إعلامي غير متحيّز بعيد عن استقطابات القوى والهيئات والحرص ان يظل الشارع موحدا على الهدف العام والابتعاد به عن التفاصيل سبق الحراك الجنوبي ثورات الربيع العربي لكن لها إيجابيات يجب استيعابها في نشاط الحراك وبالذات دور الشعار، والجداريات، والصورة، والهيئات او الاحزاب، والخطابة، وتأثير ذلك سلبا وإيجابا في الثورات السلمية ، وتفاعل جماهيرها مع الشعار وتوحّدها به مثلما وحدها خلو الساحات من الصور!! وان الشعار لا يعبر عن تحيز حزبي او استقطابي إقصائي بل يدعم وحدة الشارع للهدف "الشعب يريد ......" الذي رددته حناجر سياسية واجتماعية متضادة في رؤاها رأت ان شرط النجاح ان تتوارى أثرة الاحزاب وانانيتة النخب ولاتختلط بالفعل الشعبي الثوري فتفسده وجعلت مهمتها تنظيم الحشد وتنسيق وحدته. وتميزت بانعدام الخطابات التي تبرز التباين وتخلق الاستقطاب رغم وجودها.
يتميز الحراك الجنوبي بأنه ليس ثورة لإسقاط نظام بل لاستقلال بلد وان رحلته في الزمن أطول وحاله النضالي ليس كحال ثورات الربيع العربي ويتميز أيضا بأنه جاء على خلفية سياسية غير صحية في الجنوب وان وظيفته في الوقت نفسه ان يكون مدرسة سياسية تعالج وتعيد الاعتبار والتأهيل للقوى الجنوبية ولا معني للتصالح والتسامح غير ان يخلق الأوضاع الصحية لقبول الآخر بالفعل لا بالقول فعدم قبوله هو الجذر الأساس لمحطات العنف التي أوجبت التصالح والتسامح، وان المقياس الأكثر صدقا خروج قوى ومناطق هُمشت وفقدت امتيازاتها في المراحل السابقة لكنها خرجت من اجل الجنوب .
ان الشعار روح التصالح والتسامح وسلاح السلمية وتوسيع وديمومة نضالها وهو عامل بناء وتجميع او عامل هدم وتشتيت ، وصياغته يجب ان تكون ذكية توحّد الشارع بما يحقق هدف الحراك وان لا تستخدمه القوى سلاحا للتصفية او للتهميش فذلك لن يخدم الحراك وهدفه وقضيته و يعبّر عن جهل بالمجتمع الجنوبي والعوامل التي تتفاعل وتحدد استقطابه. إن شعار"لاوحدة لافيدرالية..." مثلا لم ينزل للشارع شعارا ضد المحتل بل ضد قوى جنوبية مشروعها الاستقلال من خلال التعامل مع كل الخيارات المؤدية إليه وبدل ان تفنده القوى التي لا ترى صحته وتنتقده وتدير حلقات نقد ومكاشفة تخدم تقوية المشروع الجنوبي اختارت التحريض وجعلته بمثابة خيانة عظمى لقمع كل رأي لا يرتبط بها وأنزلت نظرتها شعارا واستقطابا ولم يدرك واضع الشعار أنه حين يخاطب العالم به لن تخدم قضيته، فالعالم يجهل قضية الجنوب وان عدوه يغدر بالمواثيق وانه حوّل الوحدة احتلالا، بل سينظر للقضية وأصحابها بأنهم يرفضون شكل حكم ناجح عالميا !! اما داخليا فصار الشعار مُنتج إقصاء وانقسام لوحدة شارع فشل المحتل في تفتيته ولا ندري ما الشعار الذي ستنزله القوى ذاتها ضد مؤتمر المجلس الأعلى ورئيسه"حسن باعوم" لخروجه عن الآلية الشمولية لإدارة المؤتمر!! بعد ان رأيناها عند إشهار" التكتل الوطني " وفي نزول الأخ محمد علي احمد عند عرض رؤيته لمؤتمر جنوبي .
إذا كانت القوى والهيئات مهما تباينت رؤاها حريصة على الجنوب وعلى ديمومة وسعة النضال السلمي وعلى عدم إنتاج ثقافة الاقصاء،فالأجدر وضع سياسة إعلامية لا تشخصن الحراك ويعاد النظر في "عدن لايف" وإعلامها الهزيل،ودراسة الشعار وأثره وان يكون "الشعب يريد استقلال الجنوب" او ما في معناه ، فهذا الشعار فهمته كل شعوب الأرض وهو شعار يحدد الهدف ويوحّد الشارع ولا يخلق البلبلة والعداء. *خاص عدن الغد كاتب وناشط في الحراك الجنوبي