رسائل عديدة وواضحة وقوية في نفس الوقت هي الرسائل التي انبثقت عن عيدية الاستقلال الأول 30 نوفمبر في ذكراه الخامسة والأربعين، فالجماهير الكبيرة التي زحفت صوب العاصمة عدن من كل أرجاء الجنوب، بالاضافة إلى الفعاليات الكبرى التي شهدتها محافظات الجنوب الأخرى ك حضرموتوشبوة والمهرة عشية ونهار يوم الجمعة 30 من نوفمبر ذلك اليوم المشهود الذي يفرض نفسه وبقوة على التاريخ الناصع من خلال الصور القوية والعظيمة التي تجلت في هذا اليوم والتي رسمها شعب الجنوب بيراع ارادته الصلبة ومداد حماسته وإصراره على المضي نحو تحقيق هدف الاستقلال، نعم أكثر من مليون خرجوا في العاصمة عدن، وكذلك في حضرموت وفي شبوة وفي المهرة، ولكن إذا ما توقفنا أمام فعاليات نوفمبر في العاصمة عدن نستطلع المشهد الجمالي واللوحة الرائعة التي رسمتها جماهير الجنوب بأكثر من مليون جنوبي، لوجدنا أن في الأفق نصر قادم لا محالة، مليون جنوبي في عدن خرجوا ليرفعون رايات الجنوب والتحرير والاستقلال، ومقارنة باجمالي عدد سكان الجنوب الذي ربما لا يتجاوز سكانه ثلاثة ملايين في أكبر تقدير، فان ذلك الحشد العظيم لم يكن سوى لسكان العاصمة عدن والمحافظات القريبة منها، من دون حضرموتوشبوة والمهرة، ترى كم سكان عدن وجاراتها لحج وأبين والضالع؟ أن سكان هذه المحافظات إلى جانب عدن لا يتجاوز المليوني نسمة، ومع ذلك كان هذا الحشد المليوني، الصورة لا تكذب، في حين أن من ضمن السكان هناك الأطفال حتى السادسة والنساء وخصوصا في المحافظات الأخرى جارات عدن هؤلاء بالتأكيد لم يحضروا من ضمن تلك الحشود، وهذا تأكيد قطعي أن 95% من السكان حضروا وشاركوا هذا العرس الجماهيري التحرري، جاءوا جميعهم يحملون أعلام الجنوب ويرددون الهتافات المعبرة عن ضرورة تحرير واستقلال الجنوب، جميع المشاركين رفعوا شعارات الاستقلال ورفض الحوار اليمني وضرورة طرد الاحتلال اليمني، وبهكذا مشهد يمكن استخلاص طبيعة ومحتوى رسائل عديدة منها: - الرسالة الأولى، لقد مثل الحضور الجماهيري المليوني استفتاء واضح جلي يعبر عن إرادة جماعية لشعب الجنوب في ضرورة استعادة واستقلال الجنوب، وهكذا رسالة واضحة لا غبار عليها تومي بفشل الوحدة اليمنية التي ما يزال تتغنى بها قوى الاحتلال اليمني وهذا بحد ذاته استفتاء على الوحدة التي انتهت بالفعل أثناء إجتياح الجنوب عام 1994م ولكن إن سلمنا بحقيقة ما يدعيه الاحتلال على ان الوحدة لم تنته، فهل يكفي هذا؟ - الرسالة الثانية: إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أن شعب الجنوب شعب موحد تجمعه وحدة الهدف والأرض والهوية الجنوبية وأنه لم ولن يقبل غير استقلال دولته وأن الوضع القائم في الجنوب وضع إحتلال لا أقل ولا أكثر، وان شعب الجنوب يجمع على استعادة دولته، وهذا في حد ذاته أمر واقعي ومنطقي وحق مشروع كفلته الشرائع السماوية ونصوص القانون الدولي والمعاهدات الدولية. - الرسالة الثالثة، لقد وجه شعب الجنوب من خلال الحشد المليوني الذي رفع شعارات واحدة هي شعارات الاستقلال وردد هتافات بصوت موحد، (لا وحدة لا فيدرالية برع برع يا استعمار) وهكذا رسالة واضحة إلى أصحاب المشاريع التي لا ترتقي وهدف شعب الجنوب المتمثل بالاستقلال لا سواه، وهكذا رسالة توضح وتدحض الأوهام التي يحاول البعض تبنيها والترويج لها والشائعات التي تتحدث عن وجود جنوبيين يحملون قناعات أخرى كالفيدرالية وما شابهها من مشاريع لا ترتقي إلى المطلب الشعبي في الجنوب. - الرسالة الرابعة، وهي التي عبر عنها شعب الجنوب في الحضور المليوني بالعاصمة عدن يوم ال30 نوفمبر عندما رفع الشعارات الرافضة للحوار اليمني وهتف الجميع برفض الحوار اليمني الذي يعد بالنسبة لشعب الجنوب مجرد مؤامرة تهدف إلى ضرب ثورتهم التحررية. الرسالة الخامسة، وهي الرسالة التي تجتمع فيها كل الرسائل السابقة وغيرها وتتمثل في صورة الاجماع الشعبي والارادة القوية للجنوبيين في اصرارهم القوي وإيمانهم العميق بعدالة ومشروعية قضيتهم الجنوبية ومواصلة النضال والتضحيات حتى تحقيق استقلال الجنوب، وهكذا رسالة استطاع الجنوبيين بعثها إلى الداخل والخارج وإلى المنظمات الدولية والأنظمة والحكومات الأجنبية والعربية بأن شعب الجنوب سيواصل انتفاضته وثورته إلى حين تحقيق الاستقلال الناجز، وأن شعب الجنوب يعي ويدرك جيدا حقه في استعادة دولة الجنوب وتحقيق استقلال وطنه وأنه لا يمكن لأي قوة في الأرض على الاطلاق أن تصده عن مطلبه هذا أو تحط من قدره وقناعاته او تستهين به. - والرسالة القوية هي التي ربما وصلت إلى دول المحيط والتي يتبلور مضمونها في المعادلة الواضحة حول أن هذه الصورة للخروج الجماهيري أنه في حالة الصد الذي سيواجه به من قبل دول الجوار فأن الباب سيكون مفتوحا أمام أي فكر قادم وأمام هكذا رسائل عميقة الدلالة والمعنى بالطبع سيكون على المجتمع الدولي أن يعيد حساباته تجاه قضية الجنوب ما لم فأن الشعب سيفقد ثقته بالمجتمع الدولي وقد يقود فقدان الثقة هذا إلى انتاج موجة عنف، في حين أنه ليس بمقدور أيا كان أن يفرض على شعب الجنوب هكذا احتلال.