ان حالة الارباك والتيه التي يمر بها قادة تيار المجلس الانتقالي التي تم ملاحظتها مؤخرا بوضوح في بياناتهم وتصريحاتهم وتغريداتهم ومدى تاثيرها السلبي في المزاج الشعبي والنسيج الاجتماعي اثارت الكثير من التساؤلات عن مصير وشكل الدولة التي تتجاذبها مشاريع عدة ، تساؤلات لم تبرز الا مؤخرا ، فقبل مجي المجلس الانتقالي كانت كل التيارات الموجودة على الساحة في اليمن الجنوبي وحضرموت تبحث عن حامل مشترك يمثلهم جميعا يقودهم الى دولة اتحادية ، وكانوا اقرب الى ملامسة لحظة الاجماع والاتفاق ، لكن كانت هناك فئة تسابق كل هذه الترتيبات لتختطف صفة التمثيل لليمن الجنوبي وحضرموت ، همها الوحيد بعد اقتناص الفرصة السيطرة والاقصى مهما كانت الخسائر التي ستلحق بمستقبل قضية الجماهير وكيفما كانت النتائج ، لذلك جاء الامر مباغتا للجماهير واربك حساباتهم فاعتقدوا خطاء انه الممثل الذي كانوا ينتظرونه ، فالتحقوا به لا اراديا ورفعوا الشعارات الحماسية باندفاع حتى ممن هم ينتسبون الى تيارات اخرى ضنا منهم انه ممثل لجميع التيارات وان اي قصور سيتم تداركة ، لكن اتضح بعد ذلك ان الهوة بين جميع التيارات اصبحت كبيرة ولم يعد بمقدور احد تدارك ماكانوا يعتقدون انه قصور من الممكن تداركة ، وانكشف الكثير من الغموض الذي لولاه لما اندفعت الجماهير مؤيدة . تدريجيا بدات الجماهير تنفض من حول تلك القيادات، لشعورهم الاكيد انه لم يعد يمثلهم ولايمثل كل التيارات ، وانه لايمثل الا فئة تحمل بذور الدكتاتورية بداخله ، فئة احتكرت القرارات المتعلقة بمصير شعب وارض وفق مزاج شخصي بعيدا تماما عن مزاج الجماهير وتوقعاتهم ، مزاج اظهر مدى تخبطه في ادارة الامور وفق ماصدر عنه من بيانات على اقل تقدير ، وانطلاقا من ذلك كانت رؤية الصحافة والكتاب والمفكرين والجماهير التي اجمعت ان نشاط هذا التيار غريب وغير متوقع وعن نشاطه السلبي اجمعو بالقول "انه يفعل كل ذلك وهو لايملك السلطة فكيف سيكون حاله اذا اصبح يملك السلطة " . كل تلك المعطيات توطد ماذهبت اليه شكوك كثير من الجماهير ان قضية اليمن الجنوبي كانت تتحكم فيها فئة تنتمي الى منطقة معينة اثارت الكثير من الشكوك ايضا حول مصداقية شعاراتها الثورية منذ رحيل الادارة البريطانية عن عدن ،الكثير يعلم ان تلك المناطق بسبب موقعها على الحدود بين شطري اليمن جعلها مسرح للصراع ولان اغلبها في فترات تاريخية متباينة كانت تنتمي الى اليمن الشمالي تعمدت الدولة في الجنوب سابقا تركيز كل جهودها فيها من حيث التعبئة وغرس الوطنية المبالغ فيها ، فكان سكانها اكثر حرصا على الظهور بمظهر الوطنية المبالغ لافيها عن حد المعقول ليثبتوا ولائهم للدولة الجنوبية التي كانت تتعامل معهم كاي دولة بالشك تجاه سكان المناطق الحدودية عامة ، لانهم كانوا المدافعين عن الشمال ضد الجنوب يوما ما ثم تحولو الى الدفاع عن الجنوب ضد الشمال ، وهو امر طبيعي يحدث في كثير من دول العالم من حيث الازدواجية في الولا لسكان مناطق الحدود ، وهي ردة فعل طبيعية ايضا لابعاد الشك عنهم بالولا للدولة الخرى ، فمثلا نصف سكان تلك المناطق ينتمون في الاصل لمنطقة اب وتعز ولهم الفخر انهم يمنيون وكذلك نصف سكان عدن منهم وهم اكثر مبالغة في الوطنية تحت اي ذريعة من سكان عدن ، والسبب ان العدنيين ربما لم يكونوا في حاجة الى هذه المبالغة لثقتهم في انفسهم وانها لاتدور حولهم اي شبهات بشان وطنيتهم ولايرغبون في الالتحاق بالاطراف المتصارعة في الصراعات الداخلية باسم الوطنية . المضحك في الامر ان اصوات في اليمن الجنوبي اعلنت انها عرفت الحقيقة ونها عرفت من يمارس الهيمنة وكانت اصابع الاتهمام موجهة الى اولئك الذين ينتمون الى الشمال . اصوات كانت الاكثر ضجيجا اصابت الجماهير بالصداع بتحذيراتها المتكررة التي تدعو الى الحذر ، هذه الاصوات هي نفسها التي تقود المجلس الانتقالي اليوم التي تنتمي الى الشمال ، وهي امتداد لنفس الاصوات التي قادت اليمن الجنوبي بالوطنية الزائفة – التي كانت تحمل الشعارات الثورية العدائية لليمن الشمالي – الى الوحدة .وهنا يجب ان نضع ملاحظة بالخط العريض ان الانتماء الى اليمن فخر لكل انسان عربي ، لان اليمن هو التاريخ والحضارة وهو اصل سكان جزيرة العرب والشام وكثير من بقاع الارض ، اليمن ليس تلك النماذج التي عاثت في الارض فسادا . لكن الاكيد في الامر ان كل هذا الضجيج قد وصل الى طريق مسدود ، والاكيد في الامر ان اهم نتائج الفرز ستكشف ان كل المشاريع الصغيرة كمشروع اليمن الجنوبي لن يكتب لها الناجح عندما يكتمل وينفذ مشروع اخراج حضرموت من حسابات هذه الفئة، التي استغلته لاضفى كل القداسة لمشروعها لدى الجماهير ، ان التسوية القادمة لكل النزاعات الاجتماعية والسياسية في اليمن جنوبه وشماله وحضرموت ستكون مفاجئة للكل ، ولن تكون حضرموت في تلك التسوية جزء تحت هيمنة ووصاية المجلس الانتقالي ، تلك حضرموت الممتدة من وادي ميفعة الى المهرة وسقطرى ، ان التسوية القادمة التي قد بدات بالفعل باخراج حضرموت من معادلة الاطراف المتصارعة ، وذلك سيسرع من الحل وقد تتلاشى الشعارات والاصوات التي تنادي بالعنف الثوري والمؤججة للصراعات منذ خمسينات القرن الماضي . ان اصرار قادة المجلس الانتقالي على الاستمرار بالنظر الى حضرموت على انها جزء من مشروعهم التحرري الجنوبي ، هو مضيعة للوقت واهدار للطاقات ، ولن يساعد على استقرار الاوضاع ولن يصل شعبهم من خلاله الى بر الامان ، بل ستبقى لعنة الشعارات الثورية تطاردهم وتحصد الكثير من الارواح وسيبقى الوضع دائما ماساوي ، مالم ينفضون عن عقيدتهم عقدة الخوف من الفشل بدون حضرموت ، عندها سيعتادون على حقيقة مفادها ان هناك وطن كبير يجب ان يجمعهم سيبدد الخوف لديهم ، والمؤسف في الامر ان الضحية هي شريحة واسعة من الجماهيرسحقتها لعنة الشعارات الثورية جيلا بعد جيل ، شعارات اهدافها وهمية ، والنتيجة النهائية ان اولئك القادة واعضا جمعيتهم عندما ينفض الجمع ، يستطيعون ان يحصلوا على فرصة العيش الكريم في دبي حاضرا او في دولة حضرموت لاحقا .