يتساءلون في حيرة وكأنهم لا يعلمون أن الجثة شيء ملموس يملكها الأحياء قبل الأموات على حد سواء أكانت ثقيلة أم خفيفة. هي تعبير عن الجسد أالقي به في البئر أو في الغابة لاشك أنها تحت الثرى, لم تبرح الأرض فابتلعتها في تركيا أو في السعودية الأمر لا يختلف, فلن يغيب عن خالقه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض. بخلاف الروح غير ملموسة لكنها محسوسة يمتلكها طيبتها الأحياء فقط, تخرج من الجسد عند الوفاة والموت وتصعد للسماء تغادر الحياة الدنيا بما حوت من أراضين إلى دار الآخرة وإن لم يرها أحد فلا يسأل عنها أين هي؟! لماذا الحيرة إذن عن الجثة؟! هل لأنه سؤال يحمل جوابا ذو جوانب عدة وليس تساؤل؟! الجانب الأول احتمال أن الجثة مازالت على قيد الحياة وإلا قيل عنها جثمان الضحية, فأجساد الموتى والقتلى لغويا يطلق عليها جثامين. والجانب الثاني احتمال أن يكون قد تم نقل الجثة حيا وهو تحت التخدير إلى السعودية, أو تم نقل جثمانه ميتا إلى السعودية. الجانب الثالث احتمال تركيا تعيش في انفلات أمني لا نظير له يجعلها هي التي تطرح السؤال عن جثمان قتيل سعودي صحفي تم اغتياله في أراضيها بدلا من أن تسأل السعودية عن جثمان مواطنها, وهذا من حقها حتى وإن جرت الجريمة في قنصليتها. وإن حدث العكس, فهل ستبادر السعودية بالسؤال عن جثة قتيل صحفي تركي؟! أم تكون تركيا هي التي تظل تطرح السؤال نفسه: أين الجثة؟! ومن العار في عالم السياسة أن تطلب تركيا إجابات من السعودية عن مشاكل وجرائم تحدث في تركيا. ومن فطنة السعوديين عدم الإدلاء بأي تصاريح حول القضية وملابساتها ولم تقدم أدلة ربما وإلا لتم اعتبار ذلك تدخل سافر في الشئون الداخلية لتركيا وخاصة المتعلقة بالأمن وخاصة أنه لا توجد اتفاقات أمن ودفاع مشترك مبرمة بين الطرفين السعودية والتركي, والمشهود عنه أن الأمن في تركيا ضعيف وتغاضى عن جرائم عديدة دون أن يعلن عن من يعطي الأوامر بتنفيذها ويعتم عليهم بدءا بإسقاط المقاتلة الروسية واغتيال السفير الروسي ومرور الدواعش عبر تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي ينفذون تفجيراتهم. ولو كان بحوزة تركيا أية معلومات لأعلنتها ولاتخذت النيابة والقضاء إجراءاتهم بناءا على ما لديهم من أدلة ضد السعودية ولن يترددوا لحظة واحدة. ولكن باين أن ما لديهم من معلومات وأدلة تنعكس على تركيا ونظامها المتهالك قبل أن تصل لفريق الاغتيال. فما معها إلا بعض القنوات ووسائل الإعلام التي تنبح كالجزيرة التي أصبحت هي الأخرى تنقل عن وسائل إعلام أخرى غربية. أين الجثة؟! سؤال لن تطرحه السعودية أبد على تركيا الذي قد يضر بتركيا حفاظا على أواصر الصداقة, كما أنها لن تجيب عنه.. فما الحل والمخرج من هذه الورطة؟ فقنوات ذهبت إلى أبعد حد في بقبقتها وتلمح إلى أن السعودية استخدمت سلاحا كيميائيا في الأراضي التركية في عملية اغتيال مواطنها الصحفي وربما سلاحا نوويا. والأتراك لا يردون على هذه الافتراءات ولا يستنكرونها أو يحاكموا من خلفها من القنوات والوسائل الإعلامية, بل يمضون على ما ترسمه لهم تلك القناة المأزومة نفسيا وعصبيا وعقليا جراء الحصار المضروب على قطر من دول مجلس التعاون الخليجي. فحرية الإعلام والرأي والتعبير ليست بهذا الشكل ولا هذا الأسلوب الذي لا يخلو من الغيرة النسائية العمياء لدرجة أنها تصب حقدها على ولي العهد السعودي الشاب الأكثر فطنة وحيوية ومسئولية وطنية وقومية وإسلامية وعالمية من أمير قطر الشاب أيضا. يمنيا, لا يهم ذلك السؤال السخيف أين الجثة والذي يجب أن يجيب عنه صاحب الأرض التي حدثت فيها الجريمة, ولكن المهم والأهم أن عملية اغتيال الصحفي السعودي كان وراء تحريك العالم نحو وقف الحرب دون انتظار لقرار من مجلس الأمن الدولي في اليمن وكأنهم كانوا يبحثون عن كبش فداء. لماذا؟! أيضا سؤال ليس له أهمية ولو علموا لاغتالوه من قبل, أو كرروا قتله والتخلص من المرجعيات الثلاث, ولو علم هو أن اغتياله يؤدي إلى إيقاف الحرب لما تردد هو أن يضحي بنفسه من أجل ذلك قبل أن يفكر أي أحد في اغتياله. وجنوبا, أين جثة شعب حي؟ الجنوبيون موجودون روحا وجسدا ومازالت قلوبهم تنبض بالحياة والأمل ولكن لا أحد يسأل عنهم, كل من يأتي إلى أرض الجنوب يغمض عينيه لكي لا يراهم يريد أرضا بلا شعب.