يوم الخميس 15 نوفمبر 2018م صباحا، كنت في مستشفى النقيب اجري بعض الفحوصات. كان هناك عدة اشخاص ينتظروا قدوم الطبيب حين لمحت ان أحدهم ينظر اليّ بتمعن . كان كما يبدو لي انه في الاربعين من عمره و بجانبة يجلس رجل كبير في السن ، كما بدى ذلك من تجاعيد وجهه و نحافة جسده و حالة الوهن الباديه عليه. حاولت ان اتحاشا نظرات ذلك الاربعيني و التحدث مع شخص كان يجلس بجانبي، لكن نظراته اثارت في نفسي الفضول و التعجب معاً . لم استطع السكوت، ابتسمت للرجل و قلت له : هل تعرفنا؟ ام شبّهت؟ ابتسم و قال : هل يقرب لك عوض محمد عوض ؟ ابتسمت و قلت له : نعم قال: هل انت والده ام اخوه الاكبر؟ قلت : لن ارد عليك قبل ان تقول لي من اين تعرف عوض محمد عوض؟ و من انت شخصياً؟ ضحك و قال : يا والد هذا عوض صديقي في الطفولة، و درسنا معاً حتى الصف الثاني اعدادي. و تابع قائلاً : انا شبهت بك فيه و بوالده. قلت له : من انت شخصياً ،اعطنا اسمك؟ اجاب : اسمي محمد عبدالرحمن البعسي. ثم تابع قائلاً : هل انت والده ؟ هل تقرب له؟ و تابع يسأل، خير ايه فيك ؟ و بداء يتحدث بينما دهبت انا اقلّب الذاكرة لعلي اتذكّر هذا الاسم و اتامل في وجه الرجل لكن يبدوا الزهايمر اخذ مفعوله ( مع ان الكثير يوصفونا بذو الذاكرة القوية). انتبهت فجأة على صوتة و هو يقول : لا تكون انته نفسك عوض محمد عوض!!! قلت له : تريد الصدق، فعلا انا عوض محمد عوض. لكن و بصدق ماشي ذكرتك ابداً. ذكّرنا باسماء اشخاص فعلاً درسوا معي في المرحلة الابتدائية و حاول يجيب بعض القصص التي كانت تحصل في المدرسة و بشخص كان معه جاري يبيع ( حبه قروع و عتر) بعانه و لكن ماشي فائده. قال : شوف انا اخبرتك و نحن في اول اعدادي ان اخواني هاجروا السعودية، هربوا هربه. و اخبرتك ان والدي قال لي انه لازم اهاجر و ان اول اعدادي كافي لاننا اعرف اقراء و اكتب. و قلت لك اننا اخبرت والدي اننا باهاجر لامريكا و انه زعل مني و اعطانا خبطتين بالباكوره حقه و قال : انته تبغى تروح بلاد الكفار لانك لا صلاة و لا صوم، لازم تروح السعودية بلاد الاسلام. في نفسي، قلت مش معقول هذا يكون محمد عبدالرحمن النحيف الذي وجهه كله صنافير و هنا سألته عن حادثة مضحكة وقعت له في صف خامس ابتدائي و فعلاً رواها لي بالتفصيل مما جعلنا اتاكد انه فعلاً محمد عبدالرحمن البعسي، قلت له : هل هذا الذي بجانبك هو والدك الذي ضربك بالباكورة؟ ضحك و قال لا الوالد الله يرحمة و هذا اخوي علي تعبان عنده القلب . قلت له : و انته اختفيت علينا، هل فعلا سمعت كلام والدك و هاجرت إلى السعودية؟ قال : انا هاجرت السعودية و قعدت هناك حوالي سنة و نصف بعدها رحت امريكا دون ان يعلم اخوي علي لانه كان مهاجر بالسعودية و لانه كان بايرفض و بايعطل عليا السفره لو عرف. ثم سألنا : مالك كذا شيبت؟ ايه اخبارك، هل واصلت دراستك او هاجرت؟ و مباشرة قال، اكيد رحت السعودية. ضحكت و قلت له : انته عارف اننا كنت و لازلت معارض الهجرة للعمل في الخارج، لكن قل لي ليه توقعت اننا هاجرت إلى السعودية بالذات؟ ضحك بقهقهه و قال: يا اخي شيبت و انا اكبر منك، راسك كله ابيض و قدك زي اخوي علي ذي كان مهاجر بالسعودية و الان اخرجوه و شوف شكله و شكلي و الفارق بيننا سنتين فقط. قلت له : ما افتهم لي ايه المقصود. قال : شوف اخواني علي و احمد كانوا مهاجرين بالسعودية و ايام شبابهم قضوها بالسعودية عمل و جهد و عملوا محل اكسوارات و قبل شهرين اغلقوا محلهم و الديون حقهم عند الناس تبغثرت و روحوا اليمن ضباحا طفارا و كل واحد منهم كبر عشرين سنة فوق عمره. قلت له : و انت ايه عملت في امريكا؟ رد قائلاً انا امريكي نمبر ون و اولادي كلهم معهم الجنسية الامريكية و درسوا، منهم اربعة اثنين في الجامعة و اثنين في الثانوي. فجإة نادوا على اسمي و استاذنته و دخلت عند الدكتور الذي سالنا : خير ايه فيك يا حاج؟ بدون شعور رديت عليه :و الله ما سافرت السعودية و لا غيرها لكن اليمن اخيراً زادت في اعمارنا فوق العشرين سنة. الدكتور فتح عيونه و قال خير مالك!!! رديت : عفوا يا دكتور كنت سارح بعقلي بعيد...