رحل إلى باريه الأكاديمي البارز ، أستاذ التاريخ أ.د.صالح علي باصرة ، الذي كرّس حياته في تدريس التاريخ وقيادة أهم المؤسسات الأكاديمية في بلادنا ، وقد تميّز فقيدنا برؤىً ثاقبة لما ينبغي أن تكون عليه مؤسسات التعليم العالي فشحذ الهمم لاستكمال البنى الهيكلية لتلك المؤسسات وكذلك لتطوير البنى المادية والتقنية للتعليم فيها ، والفقيد باصرة مهما اتفق أو اختلف اثنان في محتوى وأسلوب سرده لأحداث التاريخ الساسي اليمني المعاصر ، فلا خلاف من أنه الشخصية الأكاديمية المتميّزة الذي ترك بصماته في مؤسسات التعليم العالي حيثما تولى المسئولية . وكان فقيدنا قد شغل منصب رئيس جامعة عدن ثم رئيساً لجامعة صنعاء ثم وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي . رئيساً لجامعة عدن : تميّزت فترة رئاسته لجامعة عدن بنشاط متعدّد الجوانب عمل خلالها على الدفع بتطوير الجامعة وكانت فترة نهوض في مختلف المجالات ، وقد استخدم فقيدنا أساليب عديدة لشحذ الهمم وحشد منتسبي الجامعة للمساهمة بتحقيق ذلك النهوض ، منها : * عقد لقاءات سنوية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة وقياداتها المركزية والفرعية لمناقشة الأوضاع الأكاديمية واتجاهات التطوير ، ثم انتظمت هذه اللقاءات مع هيئات التدريس في كل كلية ، وساهم الجميع في مناقشة أوضاع كلياتهم ووضع المقترحات والمخارج لتجاوز العقبات و وضع سبل التطوير ، وقد قاد هذه اللقاءات بحيوية كاملة واضعاً كل شخص أمام مسئولياته . * عمل على استكمال إعداد اللوائح الإدارية وتطوير هياكل الجامعة الخاصة بديوانها وأُعدت وصدرت اللوائح الإدارية لكل كلية من كليات الجامعة . * عمل على استكمال اعداد اللوائح الأكاديمية بكل ما تعنيه تلك اللوائح من تطوير لقواعد التعليم والبحث والترقيات وواجبات وحقوق أطراف العملية الأكاديمية برمتها وتقنين العلاقات فيما بينها ، وكانت جامعة عدن في نهاية عقد التسعينيات قد استكملت لوائحها تلك ما أنتج تميّزاً خاصاً لها ، و أصبح كل عضو في هيئة تدريس بحوزته كتيب للوائح الأكاديمية يسترشد بها خلال عمله كما تسترشد بها الهيئات من مجالس الأقسام العلمية حتى مجلس الجامعة . * انطلق في عهده بناء الحرم الجامعي لجامعة عدن في مدينة الشعب بإنجاز بناء كلية الحقوق كأول كلية من كليات الحرم. ابتداءً من عام 2000م بدأت انطلاقات كبرى في تطوير الجامعة قادها فقيدنا باقتدار وهمة عالية فكان : * إطلاق عام الدراسات العليا الذي جرى خلاله استحداث وتوسيع برامج الماجستير في جميع كليات الجامعة وحيث تتوفر الشروط الخاصة بذلك ، وقد التحق بهذه البرامج ألاف الدارسين من داخل الجامعة ومن الجامعات اليمنية وخارجها ومن مختلف محافظاتاليمن . * إطلاق عام المختبرات والمعامل الدراسية حيث جرى خلاله تطوير وتوسيع واستحداث مكونات إضافية لهذه القاعدة لخدمة التعليم والبحث العلمي . * إطلاق عام المكتبات والذي جرى خلاله تطوير وتوسيع مكتبات الكليات واستحداث المكتبة المركزية للجامعة التي أصبحت مكون متكامل من مكونات الجامعة وبمبنى مستقل لأول مرة في تاريخها. * إطلاق عام تأسيس المراكز العلمية البحثية والتعليمية وأصبح للجامعة شبكة من المراكز العلمية المتخصصة في مختلف المجالات ولأول مرة في تاريخها . * أطلق مشوار المؤتمرات العلمية الدورية الخاصة بتقييم مسار جامعة عدن في مختلف مهامها ووظائفها الأكاديمية وخدمة المجتمع . * تطوير وتوسيع وتحديث مطبعة جامعة عدن التي طُبعت بها المجلات العلمية الصادرة عن الجامعة وكلياتها ، وتشجيع إصدار الكتب الجامعية والمرجعية عبر المطبعة وتسهيل إصدار بقية المطبوعات . اهتم فقيدنا بالبحث العلمي في جامعة عدن وبذل جهوداً كبيرة لتطوير قاعدته وتوفير سبل تشجيعه فقد : * عمل جاهداً على تشجيع ودعم عقد الندوات والمؤتمرات العلمية داخل جامعة عدن وفي جميع كلياتها وشجّع على المشاركات الخارجية لأعضاء هيئة التدريس . * دفع بالتوسع في إصدار المجلات العلمية المحكمة حسب ومجالات ومحاور الاختصاصات ، وتطوير لوائحها والاهتمام بقواعد النشر المعترف بها للبحوث العلمية ، وتسهيل انتظام صدورها وأصبح لدى الجامعة أربع مجلات مركزية ومجلات علمية محكمة تصدر عن كل كلية تقريباً. * تأسيس جائزة البحث العلمي لجامعة عدن كخطوة هامة ومميزة في هذا الطريق .
رئيساً لجامعة صنعاء : عام 2004م تم تعيينه رئيساً لجامعة صنعاء بعد نجاحٍ مشهود له بجامعة عدن ، وكان هناك من اعتبر أن الغرض من هذا التعيين هو طمس نجاحاته في جامعة عدن ، بسبب أن البيئة التي تشتغل بها جامعة صنعاء أكثر تعقيداً بحكم العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تحيط بها وحجم التدخلات في شئون المؤسسات الحديثة وعدم اكتراث الدولة في كبح جماح ذلك ، واعتبار كثير من هذه التدخلات والتداخلات استحقاقات لابد من الاستجابة لها ، لكن من عرف الفقيد عن كثب كان يدرك انه يستطيع فتح ثغرات نحو النجاح في الجدران المغلقة ، ولم تكن جامعة صنعاء كلها جدران مغلقة ، فقد تفاعل معه ومع اتجاهات عمله الكثيرون واستطاع ان يحقق نجاحاتٍ كثيرة . وعن هذه المرحلة سنستشهد هنا بجزءٍ من ما كتبه الزميل الدكتور عبد الله عزعزي في منشور رثاء لفقيدنا حيث يورد : " وكانت محطته الثانية رئاسة جامعة صنعاء ، وقد أوجد حراكاً غير مسبوق في العمل الأكاديمي ، والنقابي وكان له دوراً بارزاً في ولادة الكيان الطلابي الموحد “اتحاد طلاب اليمن” بعد حوار مع المكونات النقابية والسياسية استغرق أكثر من عام ، وشجع نقابة الموظفين ، وتفاعل مع نقابة أعضاء هيئة التدريس والهيئة المساعدة بجامعة صنعاء ، ومجلس تنسيق النقابات الحكومية في مطالبهم الحقوقية ، وتحريك سلم الأجور وأراضي أعضاء هيئة التدريس ، حيث سجل موقفاً مشرفاً عندما أرادت الهيئة الإدارية توزيع الأراضي على أعضاء هيئة التدريس خاطبها في منزله قائلاً: يبدوا أنني سأكون شهيد الأرض،وله بصمات لن ينساها أحد في تسوية أوضاع أسر المتوفين, والمحالين للتقاعد وتمديد الخدمة إلى 70 عاماً." ويضيف : "وكان يثير ملفات ساخنة ليس بغرض الإثارة ولكن بحثاً عن حلول ومعالجات ناجعة. ما بدأه بجامعة عدن واصله في جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات من الاهتمام بالطباعة والنشر للإنتاج العلمي ، والاهتمام بالقوانين ، واللوائح ، والأنظمة". وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي : بعد رئاسته لجامعتي عدنوصنعاء تبوأ فقيدنا منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي ، ونتيجة لخبرته السابقة بذل جهوداً جادة كي يوائم بين وضع الجامعات ووجودها المستقل لما لذلك من أهمية في تعزيز دورها في المجتمع راهناً ومستقبلاً ، وبين كونها من ضمن المؤسسات التي تشرف عليها الوزارة وتقع تحت مسؤوليتها وهو وضع جديد لأن الجامعات اليمنية الحكومية تأسست قبل وجود الوزارة في هيكل الحكومة اليمنية ، وانطلق أولاً لترتيب الوضع القانوني للوزارة وثانياً لاستكمال البنى القانونية واللائحية للتعليم العالي بشكلٍ عامٍ . وفي هذا الإطار أنجز في عهده جانب مهم من تلك المهام سنذكر منها نماذج فيما يلي : القوانين : 1. قانون الجامعات والمعاهد العليا والكليات الأهلية لعام 2005م . 2. قانون التعليم العالي لعام 2010م . اللوائح التنفيذية للقوانين : 1. اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات اليمنية الحكومية لعام 2007م. 2. اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات والمعاهد العليا والكليات الأهلية لعام 2007م . اللوائح التنظيمية : 1. اللائحة التنظيمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي 2010م . 2. نظام الدراسات العليا في الجامعات اليمنية لعام 2008م . 3. النظام الموحد لشؤون الطلاب بالجامعات اليمنية لعام 2008م. 4. لائحة تنظيم المنح الداخلية لطلبة الدراسات الجامعية والعليا لعام 2008م. 5. نظام الضوابط العامة للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد لعام 2007م . كما تم لأول مرة إنشاء جائزة رئيس الجمهورية للبحث العلمي عام 2008 م ، وصدر قرار بإنشاء المتحف الوطني للعلوم عام 2008م أيضاً . وعن ذك يقول زميلنا الدكتور عبد الله عزعزي بقوله : "وبانتقاله إلى منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي أثمرت جهوده في جميع الجامعات اليمنية حكومية ، وأهلية ، كان من أبرزها المؤتمرات العلمية ، وأثار ملفاً كان مسكوتاً عنه وهو ملف البعثات وتكللت جهوده بالنجاح وشهدت الوزارة تفعيلاً لجميع هياكلها من حيث التشريع والسياسات ، والتنفيذ ، والرقابة ، ولم تعيقه أعماله الإدارية عن الاهتمام بالشأن الأكاديمي تدريساً ، وبحثاً ، واطلعا ، وتوثيقاً لأعماله." لقد كان للفقيد موقفاً عاماً عبّر عن شخصيته الأكاديمية والسياسية ، ولم يكن تابعاً ، بل أنه استفاد من سلّم السياسة كي ينجز ما طمح إلى تحقيقه في مجال التعليم العالي ، وبرحيله افتقده الوسط الأكاديمي والوطن كله ، نتمنى من الله عزّ وجلّ أن يدخله فسيح جناته وأن يلهم أهله الصبر والسلوان .