ما نقلته القنوات الفضائية يوم أمس السبت الأول من ديسمبر 2018م، من أعمال شغب في العاصمة الفرنسية باريس، أعاد ذاكرة المواطن العربي إلى شريط أحداث ثورة الربيع العربي التي كانت انطلاقتها في أواخر العام 2010م ومطلع 2011م ، والتي انفجرت شرارتها الأولى في تونس إثر قيام البوعزيزي بإحراق نفسه، فاندلعت بعد هذه الحادثة الإحتجاجات السلمية الضخمة والتي أجبرت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على الفرار، ثم اكتسحت موجتها العارمة بعض البلدان العربية وهزت اركان أنظمتها السياسية وغيرت بعضها وحولت بعضها حروب أهلية مدمرة نتيجة اعتراض حكامها التسليم لتيارها الجارف. بدأية العطلة الاسبوعية السبت هي موعد الإحتجاجات لحركة السترات الصفراء فكان هذا السبت الثالث على التوالي التي عمت فيه أضخم مظاهرة إحتجاجية تختلف عن سابقاتها حيث تخللتها أعمال شغب كبيرة في العاصمة الفرنسية باريس بل في أشهر شوارعها وهو الشانزليزيه والذي ينتصب قرب نهايته أحد معالم فرنسا الهامة وهو قوس النصر، وقد قامت جماعة من المتظاهرين بازالة حواجز ضريح الجندي المجهول الذي يرقد في محيط قوس النصر ويعود تاريخه للحرب العالمية الأولى، كما قام البعض بإشعال النيران في بعض سيارات الشرطة وأضرمت النيران في أحد المباني الواقعة في جادة الشانزليزيه، كما قام بعض مثيري الشغب برمي رجال الأمن بالحجارة فحدثت مواجهات بينهم أدت الى اصابة 92 فرد بينهم 14 من رجال الأمن الفرنسي ، وقد تضاربت الانباء حول اسباب انحراف النهج السلمي للمحتجين نحو العنف ومع ذلك فهم قلة من قاموا قاموا باعمال الشغب والعنف، وقد رجح بعض المحللين بوجود اختراق لصفوف المحتجين السلميين ذوي السترات الصفراء الذين كان خرجوهم بشكل عفوي ومطالبتهم بوقف ضريبة الوقود بشكل سلمي. ليس من شك في ان جمهور السترات الصفراء قد خرج للتظاهر إحتجاجاً على سياسة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون البعيدة عن ملامسة ظروف البسطاء والتي تولي اهتمامها لمصالح الأغنياء ورجال المال فقط، بينما البسطاء يعتصرهم الغلاء والضريبة الاضافية التي فرضت على المحروقات وبعض الضرائب التي في طريقها إليهم بداية العام القادم ومنها ضريبة على قيمة الكهرباء، وكل تلك الضرائب تنضوي ضمن سياسته لمعالجة الإقتصاد متناسياً مردودها على مواطن الشارع والتي أثارت إمتعاضه، فهي ترفع تكاليف المعيشة عليه، بينما بلاده فرنسا تعتبر من الدول الغنية وتصنف في المرتبة الخامسة في العالم. لقد تجاهل الرئيس الفرنسي مطالب الجمهور الواسع الذي خرج إلى الشارع للتعبير عنها بشكل سلمي ولم يعرها اهتمامه او حتى حاول امتصاص غضبهم بتوقيف مؤقت لضريبة الوقود ولكن كلمته التي ألقاها الثلاثاء الماضي كانت مخيبة لأمال محتجي السترات الصفراء وقد تكون استغلت من قبل بعض القوى الراديكالية واليسارية استخفاف السلطة بمطالبهم وسفر الرئيس ماكرون إلى الارجنتين للمشاركة في قمة الدول العشرين، فحرصت بعضهم على ارتكاب أعمال الشغب والعنف ضد رجال الأمن بذريعة الضغط الالتفات إلى مطالبهم، وقد عمت المظاهرات السبت الأخير كثير من المدن الفرنسية وقدّر عدد المشاركين 75 ألف شخص، ولكن مظاهرة باريس كانت مختلفة واتخذت منعطف حاد وخطير، كما اجتاح تيار موجة الاحتجاجات ضد الغلاء دولة بلجيكا المجاورة لفرنسا وخرجت مظاهرات لجمهور يرتدي السترات الصفراء في شوارع العاصمة بروكسل احتجاجاً على سياسة حكومتهم الاقتصادية، فهل ستشهد دول غرب أوروبا ثورة شتاء أوروبي؟! وإذا حدث ذلك فلن يصير ما حدث في العالم العربي فذلك عليهم بعيد...