وصلت الخميس الماضي الدفعة الثالثة من منحة المشتقات النفطية المقدمة من حكومة المملكة العربية السعودية والمخصصة لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية في عشر محافظات يمنية محررة إلى ميناء الزيت بمديرية البريقة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وهي عبارة عن باخرتين محملتين ب(63) ألفاً وسبعمائة طن من مادة الديزل و(13) ألف طن من مادة المازوت، وقد سبقتها دفعتان في وقت سابق. المنحة السعودية أثارت عدة تساؤلات وتراشقاً بالتهم، وكل أدلى بدلوه.. ليطفو على السطح (ثقب أسود) التهم ويلتهم الأخضر واليابس، ولا يعلم مكانه ومن المتسبب فيه وإلى أين يتجه به الفاسدون ؟!!.. وإلى متى يظل هذا (الثقب الأسود) في التوسع ومتى سيردم أو يمتلئ.. "عدن الغد" تفتح ملف (الثقب الأسود) محاولة كشف المستور للقارئ فإلى قادم السطور: تكلم ممثل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمنبعدن الأستاذ نجيب حميد عن برنامجه وما حققه خلال الأشهر القليلة في إحداث حالة من الاستقرار في تموينات الكهرباء بعدن و(9) محافظات يمنية أخرى. وفي خضم كلامه أشار حميد إلى أن "المنحة السعودية نجحت في تغطية احتياجات 10 محافظات يمنية بالوقود الخاص بمؤسسات الكهرباء".. مستغربا أنه كان يجب أن يكون هناك تحرك حكومي ومجتمعي للاستفادة من هذه المنحة. وأكد حميد في تصريحه ل"عدن الغد" أن المنحة السعودية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد لكنه يمكن لها أن تؤسس لنهضة مؤسسات الكهرباء واستعادتها عافيتها.. في إشارة إلى بذل مزيد من الاهتمام بما ستحققه المنحة من تعافٍ نسبي لمؤسسة نخر فيها الفساد ردحا من الزمن. وفي حديث مع رئيس التحرير ألمح حميد إلى أن العاملين فيها بذلوا جهودا من الصفر، وأسسوا المقر الذي بات مقر إدارة متكاملاً يمكن له أن يساهم في إصلاح اختلالات كثيرة تعاني منها قطاعات الحكومة، دون أن يذكر القطاعات الحكومية، لكنه أشار إلى قطاع كهرباء عدن بقوله : "إن المسئولين اليمنيين رفعوا إلى الجهات السعودية بتكاليف وقود ضخمة لمحطات الكهرباء بعدن، واستجاب الجانب السعودي لمقدار هذه الكميات وحينما جاؤوا بها إلى عدن وأصر السعوديون على الإشراف على توزيعها اكتشفوا أنها تكفي عدن ومحطاتها و(9) محافظات أخرى وفاض منها 50 % وللمدة الزمنية المقترحة نفسها". وبين حميد تلك الاختلالات مفندا أماكنها والكيفية بقوله: "إن الكثير من المشاكل تواجههم في عدن لعل رأسها أن 90 % من فنادق عدن لا تدفع فواتير الكهرباء وحتى المستشفيات الخاصة وكل صاحب مؤسسة من هذه المؤسسات يشبك من خلف العداد وبمعاونة مسئولين في مؤسسة الكهرباء".. في اتهام واضح للتواطؤ من قبل فاسدين من العيار الثقيل في دهاليز مؤسسة الكهرباء بعدن. ولم يكتف حميد بالإشارة إلى تلك الاختلالات بل إنه بين طرق الفساد الكهربائي فقال: "في الفنادق يوفر صاحب الفندق جناحاً خاصاً لمسئولي الكهرباء مقابل تسهيل مهام سرقة الكهرباء، وكذلك تفعل المستشفيات الخاصة". بعد أن شرق وغرب بدأ بسرد إيجابيات المنحة السعودية بقوله: "إنه من الأشياء الايجابية للمنحة السعودية هذه أنها أحدثت حالة من الاستقرار الاقتصادية فيما يخص الصرف".. مبينا ذلك أنه كان يتم سحب العملة الصعبة لشراء الوقود للكهرباء من السوق المحلية. وبعد أن فرغ من فساد مؤسسة الكهرباء رمى بسهم آخر شركة مصافي عدن بقوله: "في مصافي عدن هناك مشكلة أخرى عسيرة وصعبة وهي أن السعوديين حينما يصلون بالمشتقات النفطية وهي مجانية يضطرون إلى الانتظار فترة طويلة بحجة أن خزانات المصافي مملوءة عن آخرها". واختتم حميد كلامه بالعودة للنقطة الأولى وهي الاختلالات الحكومية بشكل عام فقال: "هناك جهات نفوذ في الحكومة تحاول تعطيل عمل البرنامج السعودي في عدن والسبب صفقات الفساد الضخمة التي كانت تحدث سابقا".. لكنه لم يشر إلى أصحاب تلك الصفقات الضخمة بحسب تعبيره. وعملا بحق المهنية الصحفية اتجهت صحيفة "عدن الغد" إلى مصافي عدن لتستفسر عن عرقلة تفريغ المنحة السعودية بحسب الملاحظات المخلوطة بنكهة اتهام بالتخاذل التي ذكرها نجيب حميد.. ولتضع "عدن الغد" المواطن في صورة الحقيقة وبرغم أن الزيارة كانت محصورة في إطارها الضيق (الاستفسار حول التفريغ)، لكنها اتسعت لاحقا لتشمل أموراً كثيرة للغاية، لتجدها الصحيفة فرصة لمعرفة الإجابة عن كثير من التساؤلات حيرت المواطن لأعوام عديدة. وقبل الولوج في الاستفسار الرئيسي أخذنا بجولة تفقدية ثم تحدثنا لقيادة المصفاة والتي بدورها قالت: "أنهم رحبوا منذ اللحظة الأولى، وأجروا مراسلاتهم مع إدارة شركة أرامكوا السعودية، وأبدوا استعداداهم لاستقبال الشحنة القادمة وهذا ما تم" .. ناسفة ما راح إليه حميد من تخاذلها في تفريغ الكمية. أوضحت قيادة المصفاة أن "الشحنة الخاصة بكهرباء عدن تم تحديدها من قبل مسئولي وزارة الكهرباء ومؤسسة الكهرباء وتضمنت تقديرا ب(62) ألف طن من الديزل و30 ألف طن من المازوت لمحطة الكهرباء".. في إشارة إلى عدم مشاركتها فيما ذكره حميد أن الكمية التي طلبت لكهرباء عدن تزيد عم حاجتها 50 % وبل أن الكمية استوعبت (9) محافظات أخرى. وأكدت القيادة أن "شركة المصافي تجاوبت بشكل كبير مع كل ملاحظات البرنامج السعودي، وأنهم افرغوا كل الكميات الواردة بل إن الأمر وصل إلى تفريغ (10) ألف طن متبقية إلى سفينة قامت بتوفيرها المصافي بعد امتلاء الخزانات عن آخرها".. مبينة كيفية استلام وتفريغ الثلاث الدفعات من المنحة السعودية بقولها: "قام السعوديون بإرسال أول شحنة والتي بلغت (62) ألفاً و30 ألف طن من المازوت ثم أرسلوا الدفعة الثانية والثالثة أيضا بالكمية نفسها ليبلغ المجموع ما حدوده (190) ألف طن ديزل و(90) ألف مازوت وجاء الإرسال بناء على إفادة مؤسسة الكهرباء ووزارتها، فقد وصلت الشحنات الثلاث إلى ميناء الزيت حيث تم تفريغها إلى خزانات المصافي". وبعد أن دفعت قيادة المصافي عن نفسها الاختلال والتلكؤ في تفريغ المنحة السعودية قالت: "إنه بعد 3 أشهر من تشغيل محطات كهرباء (عدن - لحج- أبين - شبوة -حضرموت- المهرة) اتضح أن الاستهلاك الإجمالي لكل هذه المحطات ول(3) أشهر (90) ألف طن من الديزل وفاض ما مقداره (100) ألف طن من الديزل" .. موضحة أن السعوديين استقدموا شركة خاصة تتابع خروج الوقود من شركة النفط إلى مكان تفريغها في خزانات محطات الكهرباء في عدن وغيرها.. ليتضح أن هناك (ثقباً أسود) يبتلع طوال 4 سنين (62) ألف طن و30 ألف مازوت شهريا من الوقود داخل محطات عدن فقط !!. وقد اتفق حميد وقيادة المصفاة "أن هناك عملية فساد ضخمة بهذا الخصوص، وأن جزءاً ضخماً من وقود محطات الكهرباء يتم التلاعب به وأن قرابة ال(100) ألف طن من الوقود تذهب إلى جيوب خاصة. وبعد أن أغلق باب المنحة السعودية فتحت أبواب منها باب الشخصية المثيرة للجدل التاجر أحمد العيسي حيث توجهنا بالسؤال إلى قيادة المصافي حول ماذا يضمن أن التاجر أحمد العيسي يأتي بالكمية كاملة وأنتم توقعون له على ورق وتذهب الكمية إلى محطات الكهرباء ناقصة؟.. أجابت قيادة المصفاة: "أن هذا مستحيل لأننا نستلم الكمية هذه ونضخها لاحقا إلى خزانات شركة النفط وفق بيانات المناقصة نفسها، ويجب أن تكون مطابقة لما نضخه لذلك حتى لو فرضا تسلمنا كمية ناقصة شركة النفط ستطالبنا بالفارق وهذا ما لا يمكن التحايل عليه". الخلاصة بعيدا عن هذا وذاك ما ذكره حميد وأكدته شركة مصافي عدن أن هناك (ثقباً أسود) يلتهم ملايين الدولارات من أموال الشعب تم نهبها طوال 4 سنوات مضت .. الفساد في ملف وقود كهرباء عدن يستدعي تحقيقا حكوميا شفافا مطالبة به حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي.. فهل نسمع قريبا عن تحقيق حكومي يعيد الحقوق المنهوبة ؟! أو على أقل تقدير ردم وسد هذا (الثقب الأسود) ولو مؤقتا ؟!! .. إن غداً لناظره لقريب !!.