نتائج قرعة أندية الدرجة الثالثة بساحل حضرموت    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترجمة خاصة : الملك لير لويليام شكسبير
نشر في عدن الغد يوم 17 - 01 - 2013

ضمن نشاط اعمال الترجمة التي تقدمها صحيفة "عدن الغد" في المجال الثقافي تقدم اليوم سلسلة قصص للكاتب الانجليزي الشهير وليم شكسبير .
ويقوم باعمال الترجمة لهذه الاعمال الادبية الخالدة د. طارق السقاف رئيس قسم اللغة الانجليزيةبكلية التربية بصبر.
وتستهل "عدن الغد" اعمال الترجمة هذه بقصة من كتاب قصص من شكسبير وهي الملك لير إعداد تشارلز و ماري لامب
ترجمة و عرض / د. طارق علي عيدروس السقاف رئيس قسم اللغة الإنكليزية / كلية التربية / صبر

الشخصيات:

* · الملك لير : ملك إنكلترا
* · بنات الملك لير:
* · ريجان
* · جونريل
* · كورديليا
* · ملك فرنسا
* · دوق* برجاندي
* · دوق كورونول
* · دوق الباني
* · إيرل* مقاطعة كنت
* · إدجار : الإبن الشرعي لإيرل مقاطعة جلوسستر
* · إدموند : الإبن غير الشرعي لإيرل جلوسستر
* · المهرج

كان للملك لير – ملك إنكلترا- ثلاث بنات ، هن : جونريل ، زوجة دوق الباني ، و ريجان ، زوجة دوق كورونول ، وكورديليا وكانت أصغرهن. كان كل من ملك فرنسا ودوق برجاندي يرغبان في الزواج من كورديليا. وكانا يقيمان في قصر الملك لير أثناء وقوع أحداث القصة.

كان المليك لير عجوزا وقد تخطى الثمانين بكثير ، وقد أنهكه الحكم كثيرا ، فقرر ألا يتحمل المزيد من أعباء الحكم في بلاده، وأن يترك الفرصة لمن هم أصغر سنا لتدبير شئون المملكة، فأسدعى بناته الثلاث ليعرف من أفواههن أيا منهن تحبه أكثر ، وبتالي يستطيع أن يقسم مملكته بينهن طبقا لحب كل منهن له.

فأعلنت جونريل ، البنت الكبرى أنها تحب والدها بأكثر مما تستطيع الكلمات أن تعبر عنه، وأنه أعز عليعا من نور عينيها و حياتها و حريتها. ورغم أنه من السهل التظاهر بمثل هذا الكلام الذي قد لايعبر عن حب حقيقي ، إلا أن ما نطق به لسانها إنما هو تعبير عما في قلبها ، فوهب ثلث مملكته لها ولزوجها.

أما ريجان الإبنه الثانية ، التي كانت لا تقل زيفا عن أختها ، فقد أعلنت أن ماصرحت به أختها لا يعبر تعبيرا كافيا عن الحب الذي تكنه هي لوالدها ، وأنها قد أكتشفت أن كل المتع الأخرى لا مجال لمقارنتها على الإطلاق بالسعادة التي حظيت بها من حب مليكها ووالدها العزيز.
أحس الملك بالرضا عن نفسه ، لأن الله وهبه هذه الذرية الصالحة و الوفية ، كما أعتقد ، فوهب ثلثا آخر من مملكته إلى ريجان وزوجها، مساويا لنفس القدر الذي وهبه لجونريل.

ثم إلتفت إلى كورديليا ، صغرى بناته و بهجة نفسه كما كان يدعوها و سالها رأيها ، كان يعتقد بأنه سوف تسعد أذنيه بنفس الكلام المحب كأختيها ، بل ربما تكون كلماتها أقوى من كلماتهن. لأنها كانت مفعمة بالخجل بسبب كلمات أختيها الزائفة و كانت تعلم أن القصد من ورائها فقط لم يكن إلا للحصول على نصيبهن في مملكة أبيهن ، وبتالي لم تقل أي شيئ إلا قولها أنها أحبت والدها طبقا لما يمليه عليه واجبها و ضميرها ، لا أكثر ولا أقل.

صدم الملك لصدور هذه الكلمات من إبنته الصغرى ، وكان يرغب منها أن تنتقي كلماتها و تهذب حديثها وإلا فإنها ستفسد حظها.

عندئد قالت كورديليا لوالدها الملك ، بأنه أباها الذي رباها وأحبها وقد أحسنت تقدير ذلك فأحبته وأطاعته وكانت عند حسن ظنه ، لكنها لا تتقن الكلام المعسول خصوصا إن كان بعيد عن الحقيقة ، فهي لا تستطيع أن تعد بألا تحب أحدا سواه في العالم، وإلا فلماذا يكون لأختيها أزواج إذا كانتا حقا كما قالتا – لا تحبان أحد آخر فيما عدا والدهن ؟، ولو حدث وتزوجت فإنها ستكون متأكدة بأن زوجها يريد منها على الاقل نصف حبها ، ونصف رعايتها وولائها ، أما إذا كانت مثل أختيها تحب والدها أكثر من أي شيئ آخر ، فإنها لن تتزوج أبدا.
لقد كانت كورديليا تحب والدها حبا حقيقيا ، بنفس القدر الذي أدعته أختاها .... كان من الممكن أن تقول ذلك في أي موقف آخر وبكلمات أكثر تنميقا ، لكنها عندما أكتشفت أن الكلمات المخادعة لأختيها قوبلت بعطايا ثمينة ، فكرت أن أفظل شيئ يمكنها أن تفعله هو أن تحب والدها في صمت. وهذا يظهر بأنها أحبت لكن ليس مقابل ما يمكن أن تحصل عليه ، فصدرت كلماتها بسيطة وأكثر صدقا من كلمات أختيها.

لقد جعل كبر السن الملك لير على درجة كبيرة من عدم التبصر ، حى لم يعد يميز بين ماهو صادق و بين ماهو كاذب. ولا بين الكلمات المعسولة و المنمقة و الكلمات التي تصدر عن القلب مباشرة. فأشتد به الغضب لكلمات كورديليا الصريحة وأعتبر ذلك نوعا من الكبرياء ، لذلك وهب الجزء الثالث من مملكته الذي كان يخص كورديليا مناصفة بين الأختين وأزواجهن دوق الباني ودوق كورونول.

وأمام جميع رجال القصر الذين أمر بإستدعائهمتنازل عن ملكه و جميع سلطاته لكلتيهما ، لتحكما سويا. أما هو فاحتفظ لنفسه بلقب ملك، وأتفق على أن يقيم في قصر كل منهما شهرا بالتناوب بصحبة مائة فارس لخدمته.

وكان تقسيم مملكته على هذا النحو قد أصاب النبلاء بالدهشة و الأسى ، ولم يستطع أحد منهم مهما كان شأنه أن يتدخل فيما عدا إيرل مقاطعة كنت ، فما كاد أن ينطق بكلمات طيبة عن كورديليا مدافعا عنها حتى أمره الملك الغاضب أن يتوقف وإلا أمر بقتله، ولم يلق إيرل كنت بالا لذلك ، فلقد كان وفيا للملك ، يقدره و يحبه كوالد له و يتبعه كسيد.... لقد كان دائما على إستعداد ليضحي بحياته ضد أعداء الملك أو عندما تكون حياة الملك في خطر.

توسل كنت إلى الملك أن يأخذ بنصيحته ، ودائما ما كان يفعل ذلك في الماضي ، وألا يقدم على فعل ما قرره دون تعقل. وقال إيرل كنت أنه مستعد أن يقدم حياته تنفيذا لحكمه إذا كانت الإبنة الصغرى لاتحبه على الإطلاق. أما بالنسبة لتهديدات لير، فإنها لن تخيفه وباتالي لن تستطيع أن تمنعه من الكلام.

وزادت كلمات إيرل كنت الصادقة من حدة غضب الملك وأصدر أوامره كي يغادر البلاد، و منحه خمسة أيام فقط ليعد نفسه للرحيل ، أما إذا وجد داخل مملكة إنكلترا في اليوم السادس فستكون تلك اللحظة هي نهاية حياته.
وهكذا ودع إيرل كنت الملك ، وقبل ذهابه دعا لكورديليا أن تكون في رعاية الآلهه ، و تمنى فقط أن تترجم كلمات أختيها إلى أفعال ، وبعدها رحل ليحاول أن يقضي حياته في بلد آخر كما قال.

قرر الملك إستدعاء كل من ملك فرنسا ودوق برجاندي ليسمعا ماقرره بشأن إبنته الصغرى ، وليعرف عما إذا كانا لايزالا لديهما الرغبة في الزواج من كورديليا ، خصوصا وأنها الآن لا تملك إلا نفسها لتوهبها لأحدهما. ورفض دوق برجاندي أن يقبلها زوجة له وهي بهذا الوضع ، لكن ملك فرنسا وقد فهم لماذا فقدت حب والدها ، أخذ بيدها وقال : إن معدنها طيب يساوي عندي أكثر من مملكة. وطلب منها أن تودع أختيها وأباها ، حتى لو كان قاسيا عليها، وقرر بأنها سوف تذهب معه وتكون ملكيته وتحكم مملكة أكثر عدلا من مملكة أختيها.

عند ذلك ودعت كورديليا أختيها بعينين دامعتين ، و توسلت إليهما أن يحبا والدهن بإخلاص. قالتا لها بغطرسة وإستعلاء بأنهن يعرفن واجبهن تجاه والدهن وقدمتا لها النصيحة بسخرية بأن تحاول إسعاد زوجها ، لأنه أخذها كشحاذة تقريبا. وهكذا رحلت كورديليا بقلب مثقل بالألم و الحزن لأنها كانت تعلم بخديعة أختيها ، وتمنت أن يكون والدها في رعاية أياد أمينة أفضل منهما.

لم تكد كورديليا ترحل حتى أسفرت الأختان عن شخصيتهن الحقيقية خصوصا بعد ما آل ملك أبيهن الملك إليهن، وقبل نهاية الشهر الأول الذي كان من المفروض أن يقضيه لير عند إبنته الكبرى جونريل ، بدأ الملك العجوز يكشف الفرق بين الأقوال و الأفعال ، بين الحقيقة و الزيف ، فما أن حصلت إبنته الكبرى على نصيبها من الملك حى بدأت تمنعه من الحقوق البسيطة التي أحتفظ بها لنفسه. لم تكن تتحمل خدمته هو و فرسانه المائة ، كما كانت تقابله بوجه عابس و عندما كان الرجل العجوز يريد أن يتحدث إليها كانت تدعى بأنها مريضة حتى لا تراه. كان من الواضح أن سنه المتقدم أصبح عبئا ثقيلا غير ذي نفع ، وأن فرسانه المائة مجرد تكلفه لا لزوم لها. ولم تكن هي فقط من يصدر عنها إهمالها لوالدها ، فلقد بدأ الخدم يحذون حذوها في تصرفاتها تجاه والدها بل وطبقا لأوامرها، وكانوا يتجاهلون الملك أيضا ، وكذلك يرفضون إطاعة أوامره أو يتظاهرون بعدم سماعه.

لم يستطع لير أن يقبل رؤية هذا التحول البادئ في سلوك إبنته، لكنه أغمض عينيه تجاه ذلك بقدر ما يستطيع ، تماما مثل بعض الناس الذين لايرغبون في تصديق النتائج غير المرضية الناتجة عن أخطائهم.

في ذلك الوقت كان إيرل كنت الوفي قد أختار البقاء في إنكلترا بقدر ما تسمح له الفرصة ليكون عونا لسيده، رغم معرفته أنه إذا أكتشف أمره فسيكون جزاؤه الموت. ومن ثم ارتدى ملابس الخدم ، وعرض خدماته على الملك ، الذي لم يتعرف عليه في ملابسه ، لكنه كان سعيدا ببساطته وأمانته ، فتم الإتفاق على أن يقوم بخدمته، وبذلك حصل الإيرل السابق على فرصة عظيمة لنجاته وذلك من خلال عمله في خدمة لير تحت إسم كايوس.

وسرعان ماأكتشف كايوس الطريق لإظهار ولائه وحبه لسيده الملك. وفي نفس ذلك اليوم تصرف أحد خدم جونريل تجاه لير بعدم إحترام وتحدث إليه بوقاحة، ومما لاشك فيه أن ذلك كان بإيعاز من جونريل نفسها ، طرحه كايوس أرضا بسرعة و كان هذا الأمر الذي يدل على الإخلاص سببا في حب لير له كثيرا.
لم يكن كايوس هو الصديق الوحيد للير ، فقد كان من عادة الملوك في ذلك الزمان أن يحتفظوا بمهرج لتسليتهم بعد عملهم الجاد ، وكان المضحك البائس الذي عاش في قصر لير قد بقي معه بعد تنازله عن التاج، وكان يقوم بإضحاك الملك أحيانا من خلال كلماته المرحة، رغم أنه كان لايستطيع أن يمنع نفسه من الضحك أحيانا على لير بسبب حماقته في توزيع كل شيء على إبنتيه.

وذات مره قال في حضور جونريل : ( حتى الحمار يعرف عندما تجر العربة الحصان ) ، وهو يقصد أن بنات لير اللاى ينبغي أن يكن في الخلف ، أصبحن الآن أمام والدهن) ، وأن لير لم يعد لير.

في تلك اللحظة أخبرت جونريل أباها وبوضوح بأنه لن يكون في إمكانه الإستمرار في الإقامة بقصرها ، إذا كان لايزال يتمسك ببقاء فرسانه المائة. وقالت أن مثل هذا مكلف و دون طائل ، يملأون القصر بالضجيج و يأكلون فقط.

وطلبت منه أن يقلل العدد وأن يحتفظ فقط بكبار السن معه، من أمثاله و الذين يناسبون سنه. لم يستطع لير في البداية أن يصدق عينيه أو أذنيه ، لم يعتقد أن إبنته يمكن أن تتحدث معه بمثل هذا القسوة. لكنها عندما كررت عليه طلبها ، أستشاط العجوز غضبا وقال لها أنها تنطق بغير الحقيقة ، لأن المائة فارس كانت تصرفاتهم جميعا في منتهى الأدب و الرقة ، ولم يكن همهم الأكل، وإثارة الضجيج كما أدعت.

أمر لير بإعداد الخيل ، لأنه قرر الذهاب إلى إبنته الأخرى ريجان : آخذا معه فرسانه المائة. و تحدث عن عقوق جونريل ولعنها بكلمات مريرة ودعا الله أن يحرمها من الإنجاب أو إذا أنجبت فلتعش حتى يسقيها إبنها من نفس الكأس الذي سقته من عدم الإحترام وعقوق الوالد ، وعندئد ستدرك أن الإبن العاق أسوأ من لسعة الحية. وبدأ دوق الباني يقدم إعتذاراته عن أي تقصير يفترض لير أنه قد صدر منه تجاهه، لكن لير لم يصغ إليه ، وأتجه مع أتباعه إلى بيت ريجان ، وفكر بينه وبين نفسه قائلا ( كيف يبدو خطأ كورديليا صغيرا إذا ماقورن بخطأ أختها) ، وبكى ، وعندئذ شعر بالخجل لأن مخلوقا مثل جونريل لها مثل هذه السيطرة عليه حتى تجعله يبكي.
كانت ريجان تقضي مع زوجها حياة باذخة في قصرهما ، وكان لير قد أرسل خطابات عن طريق خادمه كايوس إلى إبنته الثانية لتعد نفسها لاستقباله عند وصوله وأتباعه. لكن جونريل كانت قد ارسلت خطابات إلى أختها أيضا تقول فيها أن والدها أصبح غير مطيع و حاد المزاج ، و نصحت أختها بألا تستقبله بصحبة هذا العدد الضخم من الأتباع.

ووصل هذا الرسول في نفس الوقت الذي وصل فيه كايوس ، وتقابل الإثنان ، وكان نفس الخادم الذي طرحه كايوس أرضا لسلوكه الوقح مع لير. أرتاب كايوس بشأن قدوم هذا الرجل ، وتكلم معه بعنف وطلب منه أن يبارزه ، لكنه رفض ، فضربه كايوس ضربة شديدة في رأسه ، ولكن عندما سمعت ريجان و زوجها بما حدث ، أمرا بأن يشد إلى آلة التعذيب رغم أنه رسول من الملك و ينبغي أن يعامل بإحترام ، وهكذا كان أول شيء تقع عينا الملك عند دخوله القصر هو رؤية خادمه في هذا الموقف المشين.

كانت هذه بادرة سيئة للوضع الذي يمكن أن يستقبل به ، وقد تبع ذلك ماهو أسوأ ، فعندما سأل عن إبنته و زوجها ، قيل له أنهما في غاية التعب بعد سفر طوال الليل ، ولايمكنه رؤيتهما ، فطلب بغضب أن يراهما ، لكن عندما جاءا آخيرا لحيته كانت في صحبتها جونريل الحاقدة ، جاءت لتروي قصتها الملفقة و حرض أختها ضد الملك والدها.

تاثر الملك العجوز جدا بهذا المنظر ، وزاد سوءا عندما رأى ريجان تمسك بيدها ، فسأل جونريل عما إذا كان ينتابها الخجل و الخزي لتنظر إلى لحيته البيضاء ، و نصحته ريجان بالعودة مع جونريل ثانية و يعيش معها في سلام ، ويطرد نصف فرسانه و يطلب منها الصفح. وقالت إنه رجل مسن و مخرف ، و ينبغي أن يوجه من قبل أشخاص لديهم حكمة أكثر منه.

وتساءل لير ، أيتحتم عليه أن يركع على ركبتيه و يشحذ الخبز و الملبس من إبنته ، وقال إنه لن يعود معها ابدا وسيبقى مع ريجان بصحبة فرسانه المائة ، لأنها لم تنسى نصف المملكة الي منحها إياها ، وأن عيناها ليستا شريرتين كعيني جونريل ، بل حانيتان و رقيقتان ، وقال كذلك أنه من الأفضل بالنسبة له أن يذهب إلى فرنسا و يطلب عون ملكها الذي تزوج صغرى بناته وهي لاتملك شيئا ، على أن يعود إلى جونريل بعد أن يطرد نصف فرسانه.

لقد كان لير مخطئا عندما ظن أن ريجان ستعامله بصورة أفضل من أختها جونريل ، بل أنها أعلنت أنها ترى أن خمسين فارسا عدد كبير ليبقى معه وأن خمسة و عشرين يعتبر كافيا ليبقوا معه.

عندئذ إلتفت لير إلى جونريل وقد تحطم قلبه تقريبا لأنه سيعود معها مكسورا لأنها قبلت وجود خمسين فارسا ، لكن جونريل سمحت لنفسها و تساءلت ما حاجته حتى لخمسة و عشرين أو عشرة أو حتى خمسة ، بينما خدمها أو خدم أختها من الممكن أن يقوم على خدمته.

هكذا كانتا الأختان الشريرتان تحاولان أن تكون كل واحدة أكثر قسوة من الأخرى على أبيها ،و شيئا فشيئا كانتا تسلبانه من كل فرسانه و من كل الإحترام الذي تبقى له ، بإعتباره كان مليكا في يوم من الأيام.

أن يتحول الإنسان من ملك إلى شحاذ فهذا هو أصعب شيئ للمرء أن يواجهه ، وكان أكثر ما صدم قلب الملك المسكين هو عقوق إبنتيه، فبدأ عقله يضطرب ورغم أنه كان لايعرف ما يقوله ، إلا أنه كان على يقين بأن هذه الكائنات غير الطبيعية لابد أن تلقى عقابها يوما.

وبينما كان يهدد بما لا تستطيع يداها الهزيلتان أن تقوما به ، حل الظلام و هبت عاصفة رعدية قوية و مرعبة ، وومض البرق و هطل المطر. و ماتزال بنتاه ترفضان إيواء أتباعه ، وأمر لير بإعداد الخيل قائلا أنه يفضل مواجهة غضب العاصفة المدمر بالخارج على أن يبقى مع هاتين البنتين العاقتين. أما هما فقد ركتاه يمضي وأغلقتا الباب خلفه ، بعد أن قالتا أن التصرفات الحمقى للرجال تؤدي بهم إلى العقاب الذي يستحقونه.

كانت الريح شديدة كما إزدادت حدة المطر و العاصفة عندما خرج الرجل العجوز ، وبعد عدة أميال إحتمى في عدد من الشجيرات ، وهناك على إمتداد تلك الأرض الخرب أخذ الملك يتجول صارخا في غضب خلال الريح و الرعد طالبا من الريح أن ترمي بالأرض إلى جوف البحر أو تجعل الأمواج تكبر حتى تغرق الأرض ولا تبقى أي أثر لذلك الجنس البشري الناكر للجميل.

في تلك الأثناء ترك الملك وحيدا دون رفيق سوى المهرج الأحمق الذي حاول بكلماته المرحة أن يغطي على حظهما التعس، وأخذ يقول أنها ليلة سيئة جدا للسباحة فيها وأنه من الأفضل حقيقة أن يذهب إلى إبنتيه و يطلب منهما الصفح.
على هذه الحال التي وصل إليها هذا الملك العظيم عثر عليه خادمه المخلص إلى الأبد إيرل كنت الطيب، الذي تحول في تلك الأثناء إلى كايوس وقال له " أووه !! ياسيدي العظيم ما الذي أتى بك إلى هنا؟؟ إن المخلوقات التي تحب الليل لاتحب أن تظهر أبدا في مثل هذه الليلة ، فقد دفعت هذه العاصفة المخيفة كل الوحوش إلى مخابئها. إن طبيعة الإنسان لاتحتمل ذلك " ولكن الملك لير أخبره بأن هذه الشرور لايحس بها الإنسان إذا كان هناك خطر أكبر ، و عندما يكون المرء مرتاح البال ، فإن الجسد يكون لديه الوقت ليشعر بالمرض ، لكن فكرة طرد كل المشاعر الأخرى فيما عدا شعورا واحد يمزق قلبه ، وتحدث ثانية عن عقوق إبنتيه وقال إن ذلك يعد مثل الفم الذي يعض اليد الي تقدم إليه الطعام . وواصل كايوس رجائه إلى الملك ألا يبقى في هذا المكان ، وأخيرا أقنعه بالدخول إلى كوخ صغير فقير....
في البداية دخل المهرج لكنهسرعان ما خرج مذعورا قائلا بأنه شاهد عفريتا ، ولم يكن ذلك سوى شحاذ فقير قد تسلل إلى ذلك الكوخ للإحتماء فيه.

وقد أكتشف كايوس بوضوح من خلال حديثه مع الملك أن الملك فقد صوابه وأن المعاملة السيئة الي عاناها من إبنتيه كانت السبب الحقيقي في جنونه.

وبدا إخلاص إيرل كنت يظهر حينذاك بشكل أكبر مماسبق بكثير جدا ، فاستطاع بمساعدة بعض فرسان الملك الذين ظلوا على ولائهم له أن ينقل الملك إلى قلعة دوفر حيث يوجد معظم أصدقائه المخلصين.
وأسرع إيرل كنت بالإبحار إلى فرنسا ، وتوجه إلى قصر كورديليا وأخبرها بحالة والدها المؤسفة التي وصل إليها بسبب قسوة أختيها. فطلبت الإبنة من زوجها أن يسمح لها بالذهاب إلى إنكلترا على رأس جيش كبير لإسقاط حكم هاتين البنتين القاسيتين وازواجهن. وما إن وافق زوجها الملك على ذلك حتى أبحرت كورديليا بصحبة جيش ملكي كبير نزل في دوفر.

لكن لير سنحت له الفرصة للهرب من رقابة الفرسان الذين تركه كنت عندهم ، وقد عثر عليه بعض جنود جيش كورديليا يتجول في الحقول بالقرب من دوفر، في حالة مؤسفة و مزرية ، كان يتصرف بجنون تماما ، يغني بصوت عال لنفسه وعلى راسه تاج صنعه من القش و بعض النباتات البرية التي إلتقطها من حقول القمح. كانت كورديليا متشوقة جدا لرؤية والدها ، لكن الأطباء نصحوها بتأجيل هذا اللقاء حتى تتحسن حالته من خلال العلاج و النوم. بعدها بفترة قصيرة بدا والدها يسترد وعيه شيئا فشيئا وأصبحت حالته تسمح له برؤية إبنته.

كان منظرا مؤثرا أن ترى ذلك اللقاء بين الأب و الإبنة ، فقد كان لير ممزقا بين الشعور بالبهجة لرؤية إبنته مرة ثانية ، وبين الشعور بالخجل من إستقبالها له بكل هذا الحنان وهو الذي طردها بقسوة و كان عقله نصف الواعي يجعله أحيانا غير قادر على تذكر أين هو ، أو من تلك التي تقبله بحنان و تتحدث إليه ، وأحيانا كان يطلب من الموجودين معه ألا يضحكوا منه إذا أخطأ في أن هذه السيدة هي إبنته كورديليا ، أخذ الملك يطلب الصفح من إبنته ، لكنها ، وهي السيدة الصالحة ظلت طوال الوقت راكعة تطلب منه أن يباركها ثم قبلته وقالت له أن أختيها ينبغي أن تشعرا بالخزي و العار من نفسهما لطردهما والدهما إلى الخارج في البرد القارس.

قالت كورديليا أن قدمت من فرنسا خصيصا لقدم له يد المساعده ، فألح في طلب الصفح منها ، لأنه كان أحمقا ولايدري ماذا كان يفعل و بالتأكيد فإن لديها المبرر الكافي كي لاتحبه ، لكن أختيها القاسيتين ليس لديهن أي مبرر لذلك ، فأجابت كورديليا بأنه لا هي ولا أختيها ليهن المبرر لذلك.

و نترك الآن هذا الملك العجوز في رعاية إبنته المحبة التي نجحت عن طريق توفيرها الرعاية و الراحة و كذا بمساعدة أطبائها أن يعيدوا أخيرا بعض التوازن و الهدوء إلى عقل والدها المضطرب الذي فقد توازنه بسبب قسوة إبنتيه الأخريين ، ودعونا الأن نسرد كلمة أو كلمتين عن نهايتهما ........

بالطبع إن مثل هذه المخلوقات الحاقدة و الناكرة للجميل ، لايمكن أن يتوقع منها أن تكون أكثر إخلاصا لأزواجها ، فسرعان ماأصبحتا منهكتين حتى من إبدا مظاهر الحب و الولاء لهما.... بل كان من الواضح أن كلا منهن كانت تخون زوجها ، ويالها من مصادفة رتبها القدر في أن تقع كل منهما في غرام شخص واحد وهو أدموند الإبن غير الشرعي لإيرل جلوسستر المتوفي الذي أسطاع بحيله الماكره أن يبعد أخاه إدجار الوريث الشرعي عن الحكم وأصبح هو الإيرل الحاكم ، وفي تلك الأثناء حدث أن توفي دوق كورونول زوج ريجان ، فأعلنت ريجان على الفور عزمها من الزواج من إيرل جلوسستر هذا ، وقد أشعل ذلك نار الغيرة في قلب أختها جونريل ، فما كان منها إلا أن قتلت أختها بدسم السم لها وأكتشف زوجها دوق الباني فعلتها فأمر بإيداعها السجن وسرعان ما وضع حدا لحياتهاو هكذا أقتصت عدالة السماء من هاتين البنتين الناكرتين للجميل.

لكن نهاية حزينة كانت في إنتظار كورديليا تلك الفتاة الطيبة و البارة لوالدها ، فقد إنتصرت جيوش جونريل و ريجان الي كانت تحت قيادة إدمنود إيرل جلوسستر على جيشها وأخذت كورديليا إلى السجن حيث قتلت هناك ، ولم يعيش لير طويلا بعد وفاة إبنته الطيبة. وقبل وفاة الملك ، حاول إيرل كنت الطيب أن يخبره بأنه كان يتبعه تحت إسم كايوس لكن لير لم يستوعب ذلك بسبب عقله المضطرب ، لذا فقد رأى إيرل كنت أنه ليس من الضروري أن يشرح له ذلك.... ولقد مات هذا الخادم المخلص بعد وفاة الملك مباشرة ، مات عجوزا ومليئا بالأسى ، كما قتل دوق جلوسستر الشرير في مبارزة فردية مع أخيه ، كما أن دوق الباني – زوج جونريل الذي لم يكن يشجعها على أفعالها الشريرة- أصبح هو ملك إنكلترا بعد وفاة لير.

تمت بحمد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.