القتلة في هذه البلاد لا يحاكمون .. لا يعاقبون .. لا يسجنون ؛ بل يرقون بقرارات جمهورية وحكومية ووزارية لسفراء ووزراء ومستشارين ورؤساء هيئات ومؤسسات ووكلاء وقادة جيش وأمن ، هكذا اعتدنا المسألة ابان عهد الرئيس المخلوع الذي لا يبدو أننا سنتعافى ونبرا سريعا من هكذا تركه ثقيلة .
القتلة في هذا الوطن لا يقفون خلف قضبان العدالة .. لا يقبعون في غياهب السجون .. لا ينالهم قصاص سماء أو عقاب ثرى .. لا يخشون نيابة او قضاء او قانون ؛ بل وعلى العكس يقتلون ضحاياهم بدم بارد وعين قريرة وأذن متحفزة لسماع مكافئة او ترقية . ما من قاتل سابق او لاحق تمت محاكمته وعقابه ! فلو أننا بالفعل لم نتساهل ونتقاعس إزاء جرائم قتل منظمة وممنهجة اودت بحياة المئات بل الأف من اليمنيين ؛ لكان الرئيس المخلوع واعوانه في جرائم قتل المتظاهرين العزل في الشوارع والساحات قد نالهم القصاص العادل .
لكننا للأسف لم نفعل شيئا لا في الماضي أو الحاضر الذي مازال فيه القتلة طلقاء احرار ، كما ويحتفظون بمواقعهم المهمة في الحكومة ، واجهزة الدولة ، هذا إذا لم نقل بترفيعهم الى مناصب علياء أو انهم بانتظار ترقيتهم لوظائف أهم واكبر من تلكم الوظائف التي حصلوا عليها نظير انتهاكاتهم المشينة للحقوق والحريات ، ومقابل – ايضا – جرائمهم الوحشية والبربرية المقترفة بحق المئات والالاف من النساء والرجال والاطفال الابرياء والعزل ، فهؤلاء قتلوا ظلما وعدوانا قربانا لهذا الارتقاء والنفوذ الذي يتمتع به الكثير من قتلة العهود الماضوية .
هل قدر لكم رؤية وحشية تضاهي جريمة قتل نسوة تعز وهن يصلن الجمعة ، وكان مشهد قتلهن قد فطر قلب الانسانية ؟ وهل هنالك ما هو أفظع من قتل أم أمام اطفالها وزوجها وفي مسكنها مثلما هي جريمة المرأتين العدنيتين فيروز وعافية ؟ ولكم تخيل بشاعة تماثل مقتل الطفل الوليد أنس الذي اسكتت ضحكته رصاصة غادرة وفي وقت لهوه مع شقيقه وبانتظار عودة والديهما من متجر تبضع محاذ لوقوف سيارة ابيهما ؟
مقتل الطفل محمد الدرة بلا شك وقعها سيظل محفورا في ذاكرة الانسانية ، ومع كونها كذلك فإن اسرائيل وحتى اللحظة هذه مازالت منافحة وبكل ما تملك من قوة وسطوة كي تدحض عن جنودها تهمة القتل للطفل الاعزل وبتلك الصورة المروعة التي شاهدها العالم ، فبعد سنوات عشر تقريبا على هذه الجريمة النكراء اسرائيل تجهد ذاتها لنفي صلة جنودها بالحادثة فما من ذكر للجريمة إلا ويؤكد فيها الإسرائيليين بان مقتل الدرة كان برصاصة طائشة صديقة مصدرها الاخوة لا الاعداء ، فكل تقاريرهم تشير وتؤكد وتنفي واقعة القتل .
في هذه البلاد تقترف الفظاعات بحق الاطفال والنساء والشباب والمعتقلين والمتظاهرين ، فالإنسان لدينا لا يساوي كلبا او قطة في اوروبا وامريكا فالحيوانات افضل حالا من آدمية اليمني المنتهكة والمزهقة في كل لحظة ومكان ، القتل لدينا حرفه رخيصة ووسيلة مختصرة لمن اراد السلطة والنفوذ والمال ، فما أسهل ذبح 42متظاهرا وفي يوم واحد ومكان واحد ! وما ايسر ان يهرق القتلة دم العشرات والمئات ومن ثم يمضون سبيلهم دون اكتراث او مخافة العقاب !
لا أعلم ؛ هل يجدر بنا ان ننتظر منظمة " هيومن رايتس ووتش " كي تحاكم قتلة المتظاهرين ؟ لماذا القتلة وزراء وقادة احزاب ونواب برلمان ورسل حوار وطني ؟ لماذا القتلة طلقاء احرار وفي مواقعهم أو ينتظرون ترقيتهم لمسئوليات أكبر ؟ لماذا القتلة خارج السجون وبعيدا عن قاعات المحاكم ؟ لماذا منظمات العالم مستنكرة ورافضة منح المسئولين المتورطين في جرائم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني والحقوقي فيما نحن لا نحرك ساكنا نحو مسلسل القتل ؟ .
من قتل الطفلة حنين ؟ ومن شج رأس النائب الحر والشجاع القاضي احمد سيف حاشد ؟ لماذا المتهمون ال43هاربون من وجه العدالة ؟ ولماذا لم يتم القبض مطلقا على ال31متهما ؟ وأين اختفى 12متهما افرج عنهم بضمانه مشروطة ؟ ولماذا ثمانية فقط هم المحتجزين من 78متهما ؟ ولماذا اسقطت المحكمة الدعوى عن 52متهما بدعوى عدم استيفاء اسمائهم كاملة أو كونهم مقنعون وقت ارتكابهم لمذبحة جمعة الكرامة 18مارس 2011م ؟
القتلة في هذه البلاد لا يُحاكَمون مطلقا ، لا يُعاقَبُون قانونا او شرعا ، لا يُسجَنُون أو يُحبَسُون ، لا يرحَلُون او يتقاعَدون أو يُغادِرون سلطانهم ونفوذهم ، لا يُصلَبون أو يُشنقُون او يُقطَّعُون من خلاف ، لا يُسألُون في شرطة أو نيابة وقضاء ، لا يَسقطون في انتخابات او انتفاضات أو ثورات ؛ إنما يَحكمُون في كل الاوقات ، يُعاقِبون كل ناشد حق وعدل ، يَسجِنُون الحرية في زنازينهم المرعبة ، يُرَّحِلون كل كفاءة ونزاهة ، يَضرِبُون ويَسحَلون الحقيقة اين وجدتها ، وبأي اداة ؛ كانت ساطورا عصاء حذاء طلقة قذيفة ؟ . لذا لا استغرب أو اندهش إذا ما رأيت قانون العدالة والمصالحة عالقا بين الرئاسة والحكومة والبرلمان ، كما لا أتوقع ممن شيدوا مجدهم وسلطانهم على رؤوس وجماجم ودماء اليمنيين ولحقبة زمنية طويلة أن يكونوا – ولمجرد رغبة الضحايا والحالمين السذج - حمائم عفو ورُسُل محبة وغفران ، واقع يذكرني بالحكمة الامريكية القائلة : " القوانين مثل بيوت العنكبوت ، تقع فيها الطيور الصغيرة وتعصف بها الطيور الكبيرة " .
ومع يقيني بان الحق والعدل والمساواة والانصاف لن يتحقق في ظل هؤلاء الذين تنطبق عليهم قولة تشرشل " كثيرون ارتقوا سلم المجد إما على اكتاف اصدقائهم أو جماجم خصومهم "؛ لم ولن ادع اليأس والقنوط يتسرب الى نفسي المؤمنة بحتمية الانتصار لهذه القيم والمبادئ الاصيلة ، وبان المعادلة المختلة الظالمة القائمة منذ أمد تليد ستزول وتنتهي طال الزمن أم قصر ؟! ففي نهاية المطاف ينبغي ان ندرك ان المعطى على الواقع وفي ذهن الانسان واهتمامه وسلوكه ومحيطه تبدل وتغير ، فلا السلطان والنفوذ يستلزمه قرابين ودم وقتلة أو ان القصاص العادل وجبر الضحية أمنية مستحيلة التحقق .