في ساعة متاخرة من مساء البارحة إنطفئت شمعة لطالما أنارت الطرق لقاطني مدينة جعار ، وإنطوت صفحة من صفحات التاريخ الشامخة التي عاصرت حقبة من الزمن الغابر وظلت صامدة على مبادئها حتى اليوم . بالأمس رحل الشيخ الجليل والإمام الخليل ، مربي الأجيال ومدرسة الدعاة وحبر القيم والأخلاق أبو الفقراء والمساكين الحاج سليم الصبيحي إمام وخطيب جامع جعار الكبير . لقد كان الحاج سليم الصبيحي الأب الروحي في قلوب مواطني مدينة جعار بمختلف أعراقهم وإنتمائتهم لكنهم كانوا يلتفون حوله ويهز أبدانهم وأفئدتهم نغمات صوته ، كان مدرسة للقيم مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، فالبرغم من كبر عمره إلا أنه كان دوما يتابع قضايا المواطنين وينصح المسئولين ويصبر المواطنين ، كان كل يوميه عبادة في عبادة ولا تراه إلا في زواية المسجد يشرف على أعمال النظافة وينظم خدماته ويرحب بالمصلين ويفرح بهم كثيرا . خلق رفيع وفكر عميق ورؤية مستقبلية اتصف بها الحاج الجليل ، نال إحترام كل القيادات التي توالت على محافظة أبين بعفة نفسه وعدم دخوله في قضايا السياسة ودهاليسها ، كانت قضيته في الحياه هي الإهتمام بالمسجد الجامع و التخفيف عن الفقراء والمساكين في المدينة . "وداعا يا من أجمع على حبك كل الناس وداعا يا من كنت نقطة التقاء كل الفرقاء . كانوا يختلفون فيما بينهم ويتفقون على حبك واحترامك ومكانتك التي مكنك الله اياها في قلوبنا وقلوبهم .. كنت المرجعية للجميع . انت لم تمت بل نحن الذين متنا الما بفراقك كنت ابا لمن لا اب له . كنت اليد التي تحن على اليتيم وتمسح على رأسه . وتتفقد الارملة والمسكين . لست ملاكا ولكنك بشر كالملاك . سافتقدك بل سنفتقدك بل سيفتقدونك كل اهل البلاد من شرقها إلى غربها اني اتخيل البلاد من دونك كما اتخيل ارض جدباء بلا مطر كنت ظلال مدينتي الوارف والجبل الذي يحتظنها ويحميها من تقلبات الدهر وداعا ابا محمد وداعا ابا اكرم والشيخ انور تأبى الا ان تلحق بشريكة حياتك التي سبقتك الى دار الخلد والبقاء فلتسعدي يا ام محمد . . فرحيلك يا شيخنا وتاج رؤسنا اضاق دنيانا " لا أستطيع أن أحصي مناقب الشيخ الجليل ولو سطرت صفحات الكتب وبصماته التي تملئ الطرقات والمساجد والحواري وأسواق مدينة جعار ، هكذا هم الصالحون والأولياء ينالون محبة من في الأرض ومن في السماء ونعم هذا النهج وهذا السبيل من طرق للإقتداء بهم ، رحلت عن الأنظار وما رحلت عن الأفئدة ، آن لك أيها الفارس الهمام أن تترجل عن فرسك وترتاح راحة أبدية في نعيم الخلود بإذن المولى . عظم الله أجرنا وأحسن عزانا وغفر لميتنا وفقيدنا جميعا ، إنا لله وإنا إليه راجعون