يحكى أن رجلاً وجد أعرابياً عند الماء فلاحظ الرجل حمل بعير الأعرابي فسأله عن محتواه ، فقال الأعرابي كيس يحتوي على المؤنة والكيس المقابل يحتوي تراباً ليستقيم الوزن في الجهتين .. فقال الرجل : لما لا تستغني عن كيس التراب وتنصف كيس المؤنة في الجهتين فتكون قد خففت الحمل على البعير ؟؟ فقال الأعرابي صدقت !! ففعل ما أشار إليه ثم عاد يسأله : هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين ؟ فقال لا هذا ولا ذاك بل رجل من عامة الناس .. فقال الأعرابي : قبحك الله لا هذا ولا ذاك ثم تشير علي !! فأعاد حمولة البعير كما كانت .. هكذا بعض الناس لايناقشون الأفكار ، بل يناقشون الأسماء والمظاهر .. الفائدة : خذ الحكمة ولا يهمك من أي وعاء خرجت .. السؤال هنا! متى يتعامل أعرابنا المتنطعون مع النصيحة والنقد البناء كرأي وصوت يستحق الاحترام والإنصات له؟ بعيدا عن شيطنة الوعاء الذي ياتي منه ومهاجمة شخوصه، طالما وانه بالفعل يتحدث عن خلل او خطأ ماثل ويمكن تداركه؟ ليس بالضرورة ان يصنف صاحب الرأي الاخر او قائل النصحية بانه يحمل أجندة معادية وافكارا مشبوهة، لمجرد انه وجه نقدا لاذعا او أشار الى خطأ فاضحا..فثمة شرفاء متحررون من قيود الحزبية وإملاءات الممول يقفون على مسافة واحدة من جميع الاطراف المختلفة، ودافعهم الملهم في ذلك النصح او النقد هو كيفية الوصول الى نقطة مشتركة يلتقي فيها جميع الفرقاء فتصب خيرها ونفعها لصالح الشعب وحسب .. فمثلا! من الخطأ كلية! ان يصنف اي شخص بانه إخوانيا او حوثيا او حتى مرتزقا لمجرد انه وجه نقدا مباشرا في أداء المجلس الانتقالي او تحدث معاتبا في قصور ما شاب بعض دوائره. وكذا هي الحال بالنسبة لبعض حاشية القيادات الشرعية التي سرعان ما تضع منتقدي وناصحي ولي نعمتها في خانة معرقلي عجلة التنمية ودولاب العمالة. لاحظ ان أس هذه الإشكالية وأساسها! قائم في معظمه على دوافع وقناعات ملوثة تمكنت تماما من عقليات هؤلاء فباتوا محدودي الافق كأعرابي البعير ذاك! في تعاملهم مع الرأي او النصيحة، فتراهم دائما يبحثون وبإهتمام في خلفية الوعاء ولا يجدون حرجا في رمي مادة ذلك الوعاء وان كانت صائبة وضرورية.. أتدرون ما المؤسف هنا؟ المؤسف عندما ياتيك قزم لم يكمل قراءة فصلا في البلشفية ولا حتى بيتين في رثائية قباني لقديسته بلقيس، جاعلا منك حاقد مرحلة او طالب مسألة، هذا اذا لم يحشرك مع الخونة والفجرة. لذا أظننا سنبقى طويلا ندور في حلقة مفرقة تبدأ بماسحي الاحذية وتنتهي بحملة المباخر، فكلما دفعت الظروف بمكون معين او قائدا ما، يمكنه مع قليل من قبول النقد وسماع النصيحة ان يصوب خطأه ويتلافى زلاته بإعتباره بشرا يخطئ ويصيب وليس ملاكا طاهرا تغشاه المثالية المطلقة او النزاهة الكاملة عن الزلل.