بالتأكيد هناك متاجرون بالمظلمة الجنوبية.. ضررهم على القضية أكبر من نفعهم، لكن غضب المواطن الجنوبي البسيط اليوم وسخطه انما هو نتاج خيبته وما قابله طيلة عقود من نكران نظير محبته وشوقه وتضحياته واندفاعه للوحدة.. تخيلوا مواطن كانت الدولة (نظام اشتراكي) تؤمن له مأكله وملبسه ومسكنه.. يضحي بذلك لأجل الوحدة التي كان يعدها حلمه المبارك.. لم يكن يعي ان الجوع كافر لانه لم يكن قد جربه من قبل.. الدولة الجديدة لم تعالج مشكلة فوارق النظامين (الرأسمالي شمالاً والإشتراكي جنوباً) ولم تعمل على ايجاد البديل للمواطن الجنوبي.. وبالمقابل (بسبب الفساد والنهم السياسي للنخب الرأسمالية) تم تشييد العقارات السكنية والاستثمارية على مرأى المواطن دون ان يجد لنفسه من (أرضه) و(وظيفة حكومته الجديدة) وحتى (سمك بحره) نصيب!! جاءت حرب 94 تدق ناقوس خطر كان على الدولة الجديدة ان تتنبه له.. لكنها وبدلا من ذلك اتخذت اجراءات دفعت بالمواطن الجنوبي نحو اعتبار الوحدة (خطوة متهورة) بل (خطيئة فادحة) وصلت حد اتهام الرئيس الجنوبي الموقع على اتفاق الوحدة بالخيانة العظمى (بيع الوطن).. مرت سنوات وكان على الدولة الجديدة محاولة احتواء سخط الشارع الجنوبي لكنها فشلت في ذلك.. ربما لم تدرك حجم معاناة المواطنين المتزايدة... لطالما كان الجنوب يقدر تضحيات ابطال الشمال في الثورة والوحدة وغيرها من المناسبات الوطنية.. لكنه بالمقابل وجد الاستخفاف بتضحيات ابطاله.. ثم نكران تضحيات شعبه بالتخلي عن امتيازاتهم لتحقيق الوحدة.. مروراً بالاستخفاف بمظلمته.. وصولاً بالطعن بأصله وأحقيته في أرضه واصطياد زلاته عند التعبير عن سخطه والمطالبة بحقه!! بالتأكيد حين يتهم الجنوبي الشمال بسرقة قوته وقوت ابنائه.. فأنه لا يعني بذلك ابناء المحافظات الشمالية (شركاؤه في الوجع) بل يعني النخب السياسية التي لازالت حتى اليوم تستكثر عليه اعتذارها واعترافها بمظلمته.. هل تم الاعتذار عن دمار حرب 94 الذي طال الجنوب؟؟ والفتوى رفيعة المستوى بتكفير أهله؟ ليس القصد العودة لصفحة الماضي الان (رغم أنها لم تطوى بعد) ولكن على الإخوة الشمالين الساخرين من السلوكيات الحمقاء لبعض ابناء الجنوب اليوم التوقف عند حقيقة التراكمات وكم الحرمان والأذى الذي عانى منه المواطن الجنوبي، نعم لأبناء المحافظات الشمالية الحق في السخرية وربما الغضب مما يحدث ويطال البسطاء من إخوتهم وأبناءهم.. ولكن لطفاً بابناء الجنوب، ليحاولوا تفهم الوجع الذي يعيشه المواطن الجنوبي البسيط وهو يرى دم قياداته ورجاله وشبابه يهدر بلا منطق. للإخوة الشماليين: حاولوا وضع انفسكم مكانهم.. تخيلوا انكم انتم من تنازل عن نظام دولتكم الذي كان يرعاكم لتجدو انفسكم بلا راعي وبلا دولة! تذكروا كم صاح الجنوب مطالباً بأبسط الحقوق دون فائدة.. تذكروا القهر الذي دفعهم للوقوع في شرك العنصرية والكراهية جراء تجريدهم من أصولهم وأحقيتهم في أرضهم .. ولا تتناسوا المخالب التي تنهش بالجنوب من الداخل والخارج وتتضمن مخلبين شماليين يسياء لكل الشمال ويصبا الزيت على نار غضب الجنوب.. و لازالا حتى اللحظة يحكان على جرحه. لقد ضحى الجنوبيون كثيراً.. وتكفي تضحيتهم لأجل قيام دولة الوحدة.. لقد حان الاعتراف لهم بفضل تضحياتهم.. و(ان كانت نخب الشمال حقاً تنظر للجنوبيين بعين الإخاء) فقد حان رد الاحسان لهم .. .