بعد ترقب طويل ووسط هذا الخضم الهائل من القلق والحيرة التي عصفت بالمواطن في الجنوب بشكل خاص، منذ أحداث شهر أغسطس الفارط، أفضت لقاءات جدةوالرياض إلى إتفاق بين طرفي السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي تحت رعاية المملكة العربية السعودية، وقد كشفت قناة العربية، نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط، عن أبرز ملامح ذلك الإتفاق التي تم التوقيع الأول عليه في الرياض وأهم بنوده الالتزام بالمرجعيات وقررات مؤتمر الرياض وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية وبمشاركة المجلس الإنتقالي والقوى الجنوبية الأخرى، ولكن بعد تنفيذ كافة الالتزمات الأمنية والعسكرية، وعودة الحكومة ومؤسسات الدولة إلى عدن بعد سبعة أيام من يوم التوقيع على الإتفاق، دمج كافة التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الداخلية والدفاع، إشراك المجلس الإنتقالي في وفد الحكومة الشرعية لمفاوضات الحل النهائي في اليمن، وتشرف السعودية على تطبيق بنود الإتفاق وستقدم الدعم الكامل لإنجاحه من خلال تشكيل لجنة للإشراف على الإتفاق. في تصوري، وكما يبدو أن هذا الإتفاق يلبي طلب وموقف دول الإقليم والمجتمع الدولي تجاه القضية اليمنية جنوباً وشمالا، كما جاء هذا الاتفاق في ظل ظروف صعبة ومعقدة تجرع خلالها أبناء الجنوب ويلات الحرب مع المليشيات الحوثية، ونتيجة لضعف أداء الحكومة الشرعية، والإنقسام المؤثر للأجهزة الأمنية والعسكرية، وتردي الأوضاع المعيشية بسبب إنهيار العملة المحلية، وقد لحق كل ذلك نشوب صراع دموي في شهر أغسطس بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات شرعية الرئيس هادي، تمكن خلالها المجلس الانتقالي من السيطرة على العاصمة الموقتة عدن ولحج وبعض مناطق محافظة أبين، ولكنه لم يظفر بالسيطرة على بقية المناطق والمحافظات الجنوبية، فأستيقن طرفا النزاع بعد هذا الوضع الحرج إن مزيداً من المواجهات تعني استفحال مقارفة القتل المنكر بين الأخوة، وزيادة في تعميق الشرخ الجنوبي وتمزيق نسيجه، كما أن فرار اعضاء الحكومة من عدن، تلك الحكومة التي لم يكن لها تواجد حقيقي على أرض الواقع، فاقم في ضعف الخدمات الضرورية للمواطنين، من كهرباء وماء ومشتقات نفطية، وتسبب ايضاً في عرقلة صرف الجوازات، وتوقف صرف مرتبات الجيش لثلاثة أشهر وجزء من مرتبات الأمن وكل ذلك جعل الشارع يغلي سخطاً وألماً، وإنكار تلك المصاعب الذي واجهها الشارع الجنوبي هو نوع من المكابرة. لقد عكف طرفا الصراع في حوار طويل في مدينة جدة ثم في العاصمة الرياض من أجل الخروج بهذا الإتفاق الذي اقتضى عليهم القبول بجميع بنوده، لإنتشال البلاد من ظروفها الصعبة والقاسية، وعودة الأمن وإستعادة الإستقرار ، والبلوغ بالبلاد إلى حل نهائي لجميع مشاكلها بعد إنهاء الحرب وعودة السلام لجميع مناطق اليمن ومحافطاتها شمالاً وجنوباً. حسب تقديري، ربما كان ذلك الإتفاق بالنسبة للشرعية يمثل تنحية للمصالح الضيقة، أما بالنسبة للمجلس الإنتقالي الجنوبي فهو بمثابة لوناً من النجاة يشبه النصر.