بالعودة قليلا إلى احداث اغسطس الماضي وفي قراءة سريعة لتداعيات تلك الاحداث إبتداء بعدن ومرورا بأبين حتى مشارف شبوة.. يومها تحدث كثيرون عن تماهيا سعوديا واضحا وايعازا إماراتيا اوضح أبداه قادة هذان البلدان مع تمدد القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي على الرغم من بيان سابق حذرت من خلاله السعودية ذاتها من تبعات طرد رموز الشرعية عن العاصمة المؤقتة عدن واستمرار ما أسمتها آنذاك بالفتنة. بطبيعة الحال وكما تأكد لاحقا لم يكن ذلك تماهيا عبثيا للتحالف كما انه لم ايضا يكن تعبيرا حبيا للانتقالي؛ اذ سرعان ما تبدلت الإيماءات وتغيرت اللهجة وأوعز حينها لقوات مارب بالتدخل وفرض السيطرة على شبوة بل والتقدم صوب عدن يومئذ ظن الجميع ان السعوديين قد غدروا بالانتقالي وبالاخص عندما جاء الحديث عن تلبية قياداته لطلب سعودي تمثل بانسحاب قوات الانتقالي ليكتشفوا لاحقا بان قوات تابعة للشرعية قد باتت علئ مشارف عدن .. كان بالفعل مشهدا ضبابيا جدا ! وخاصة عندما ختم بتدخلا جويا إمارتيا مفاجئا وحصيلة ذلك بعدها بان دفع كلا طرفي الصراع الداخلي الى واقع اللاواقع؛ وجاءت التوجيهات من قيادة التحالف هكذا (فليقف الجميع في المنتصف ولياتوا مذعنين الى جدة وهناك سنصنع سلاما وحلا يرضي الجميع) وهكذا ايضا اعلن خطاب التحالف يومها نهاية الاحداث بعد خلقه توازنا حيا على الارض .. هنالك في البعيد المترقب كانت قد فتحت لتوها شهية التدخل لدى قوى اقليمية ودولية عدة في الملف اليمني عزز ذلك كثيرا ركود الحل السياسي لهذه الازمة واخفاقات دول التحالف على مدى خمس سنوات من الحرب ولو بتحقيق اي منجز سياسي يؤكد نغمة الانتصارات العسكرية التي طالما تغنى بها أعلاميوها . إذن كانت الحاجة ملحة هنا إلى قطع اياد المتربصين في الجوار وإشهار العصا مجددا لتاكيد قدرة التحالف فرضه واقع سياسيا معينا يساعد في توحيد جهوده واستمرارها لمحاربة الانقلاب الحوثي.. وهذا معناه البحث عن حدث سياسي نوعي يختزل كل تلك الامور في توليفة واحدة ستعرف لاحقا بإتفاق الرياض .. لذا سيبدو لنا ان المعطيات والوقائع الآنية التي دأب التحالف على ايجادها عقب احداث اغسطس كانت بالاساس داعمة للحفاظ على قوامه ونفوذه كما هو ولا ضير هنا لديه من إعادة تموضع قواته وتعديل الخارطة السياسية لحلفاءه بالجنوب طالما انها لن تتجاوز دائرة ذلك القوام او تتعدى نفوذه .. وبالفعل مضت ديناميكية ذلك التوجه جيدا وأتقن قطبا التحالف لعبة تبادل الادوار حينها بامتياز؛ وبات كل طرف منهما يمارس إبتزازا سياسيا بحق حليفه من فرقاء الداخل طيلة ايام مفاوضات جدة والتي يمكن إعتبارها استكمالا للشق الثاني من خطة التحالف المعدة سلفا .. ياتي الحديث اليوم عن اتفاق الرياض وما حملته بنوده من نقاط تؤكد في معظمها الرغبة في إرساء واقعا جديدا يسهم في حلحلة الاوضاع الراكدة في الجنوب مع حفظه على حالة الاستقرار النسبي فيه ؛ وبلغة اخرى يمكن القول انه جاء اتفاقا مرحليا محى معه جميع الشعارات التي رفعها طرفاه سابقا وفضل ترحيل معوقات التوقيع على بنوده الى ما بعد دحر الانقلاب الحوثي . قطعا سيبدو حيئذ ان التحالف الواقع تحت وطأة الضغوط الدولية والمشاكسات الاقليمية لم يجد أمامه في المؤامة بين ضرورة التحرر عن واقع تلك الضغوطات والمشاكسات وبين التأكيد مجددا على قدراته وامتلاكه مفاتيح الحل لأي خلافات تخص حلفاءه بالداخل سوى إعتماده تسوية سياسية تجب ما قبلها من خطايا وتغيب ولو مؤقتا مستقبل اطرافها. بمعنى ان التحالف فعلا استطاع عبر اتفاق الرياض اخذ مبتغاه وتحقيقه هدفا سياسيا موجها للخارج فيما تمكن بنفس الوقت من جعل حليفيه بالداخل يوقعان على صفحة بيضاء يتشاركان بالمناصفة رسم حاضرها الجديد ويتحملان وزر اي اخفاق قادم خلالها ؛ عدا ان كل طرف من طرفي ذلك الاتفاق سيعتبره بمثابة خارطة طريق لمستقبله السياسي ويحق لهما ذلك.. بيد ان المحصلة النهائية لكل ذلك الجهد اضافة الى مسألة نجاح اتفاق الرياض من عدمها باتت مرهونة اليوم بما ستترجمه حسابات ونوايا الاطراف الموقعة عليه.. يظل التحدي القادم هو ! هل سيتجه الجميع نحو معالجات عاجلة تنعكس ايجابا على الحال السيئة التي يعيشها المواطن والبلد عامة؟ ام ان اتفاق الصفحة البيضاء هذا سيتحول مجددا إلى فصلا اخر من فصول النضال الجنوبي الرافض لمحاولات الوصاية المتكررة من قوى التغول و النفوذ القادمة من الشمال؟ هذا كله يعتمد على ما اذا كان الامر من بدايته جاء كتسوية تحمل اتفاقا ابيضا او انه سيظل مجرد معاهدة سلام رخوة..