وطني..أشعرُ فيك أني لست وحدي هناك آخرٌ يرقدُ داخلي هذا الآخرُ ربما كان أنا سأحاولُ التخلص منه في وقتٍ ما أو ربما هذا هو الوقت المناسب للتخلي عن النفس وعن كل الأصدقاء وعنك ياوطني يا من تشتمني صباحاً ومساء.. سأتخلى عن رفاقي في الماضي وأعدائي المؤجلون.. سأنظف حياتي من المستقبل من الأحلام السيئة وسأقولُ بعض الشعر سأغلقُ الهواء داخل دمي سأحاولُ ترتيب حالي بعيداً عن كل الفئران التي تقرض داخل رأسي.. وعند مفترقِِ النهار سأقولُ: صباحُ الخير لوطنٍ لم أزل فيه أتنفسُ بحرية وأدخنُ سجائري كما يفعلُ الهنود الحمر وأغني للأزقة المتسخة وللعشوائيات.. للقطط الضالة.. للمخابز التي تفوح منها رائحة الجوع وللأرصفة.. التي تكدست عليها أجساد الفقراء سأقولُ: صباحُ الخير يا وطني ففيك كنت أرى بوضوح ثم عميت.. فاشتريت نظارةً جديدة ثم فقدتُ نظارتي ففقدت أنوثتي ونضارتي وأصبحتُ اليوم أرى عماي واضحاً وأصبحتُ في كامل يقظتي فاقدةً قدرتي على الحلم فلم تعد هناك طفلةٌٌ اسماها (ليلى) بل ذئبٌ يترصد لي عند كل مفترق حلم لم تعد هناك (سندريلا) لم ينتظرني الأمير بل حراس القصر قتلوا تلك العجوز الطيبة التي كانت ستهديني فستاناً أبيضاً وحذاءً من لؤلؤ.. صباحُ الخير ياوطني فأنا بين أحضانك خائفة..مرتبكة أحاولُ جمع أجزائي أن أقرأ تاريخ جرحي وأحاولُ ألا أشابه أحد غير نفسي التي سأتخلى عنها في وقتٍ ما ربما بعد قليل.. صباحُ الخير يا وطني يامن رميت شمعتي في بئر الريح يامن تمشي فيك قصيدتي سافرة على مسمعٍ ومرأى كل المتآمرين.. صباحُ الخير ياوطني.. هل تعتقد بأني أكرهك أو أحقد عليك؟؟ - حاشا لله- فأنا أعيش فيك منذ زمن وأزورك كل صباح لأُحيك وأشكرك على جوعي وجرحي أشكرك على انكساري وغربتي وعلى ما مضى من عمري رتيباً على هدير الموج الذي أثقل كاهلي.. على الروح المتعبة التي ترقص وحيدة على أشلاء جسدي الحزينة التي تمضي دون كفن أشكرك يا وطني.. نيابةً عن كل البطون التي أنهكها سراب الخبز.. نيابةً عن كل الأفواه المتعطشة لرشفةِ ماء نيابةً عن كل القلوب المفعمة بالخوف أشكرك نيابةً عن كل الأقلام التي تكسرت وكل الحريات التي أغتيلت وكل الأقدام التي تعثرت... وكل القبور المختنقة بأجساد الشرفاء... أشكرك يا وطني نيابة عن طفولتي المنهكة نيابة عن عيد ميلادي ونيابة عن كل السنوات التي مضت من عمري وأنا تائهة وخائفة صباح الخير ياوطني.. نيابةً عمن يرقد داخلي الذي سأحاول التخلص منه في وقتٍ ما أو ربما بعد قليل..
