كل إناء بما فيه ينضح , والأمر إذا زاد عن حده انقلب ضده , وما نهب أحد شبرا من هذا الوطن إلا وفضحه , فمحبة الوطن الزائدة اليوم عند البعض قد ولدت لديهم نوعا من التوحد والتفرد النفسي بأرضه وممتلكاته فتراهم يسرحون ويرحون ويبسطون في أرجاءه وعمومه ويتقاسمون العقارات والهكتارات الشاسعة والمباني الأثرية بقوة السلاح وبالزي الرسمي وفي وضح النهار وعلى مسمع الكل , وعندما نفذ بيت المال ولشدة حبهم للوطن اتجهوا إلى ممتلكات المواطنين الخاصة والمؤسسات الحكومية , ولم تسلم منهم حتى أحواض المجاري أعزكم الله , ولا حتى المقابر ولم يرتح منهم الموتى في قبورهم ونسوا أن كسر عظم الميت ككسره وهو حي , لا وازع يؤنبهم ولا أمن يردعهم!. وطنيون أكثر من الوطن نفسه ومن يقول لهم فقط عبارة: هذا خطأ , فقد قامت قيامته لأنه أصاب جرما عظيما ليس له توبة , وهو بالتأكيد خائن وعميل ضد الوطن فهم إرادة الوطن في أرضه وهم جسد الوطن الذي يتكلم من خلالهم, وعباءة التهم جاهزة ومفصلة دوما على كل مقاس ومتناسبة مع أي عمر, فالوطن في مشروعهم الجديد وفي عقلياتهم المريضة عبارة عن دجاجة تبيض العقارات والقطع للبيع والشراء والمواطنون قطيع من العبيد في سوق الرقيق ليست لهم أية حقوق ولا ينبغي لهم أن ينطقوا بأي كلمة في دكتاتورية "يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم , ودعوا الأراضي جانبا فالخير أن لا تسألوا". إن سكوت المجتمع بمؤسساته الغير حكومية عن هذه الأفعال التي لا تمد للوطن أو للإنسانية والأخلاق بصلة هو ما يعطي هذه الشرذمة مزيدا من الشرعية لفعل المزيد من التجاوزات التي تشوه الوطن وتسيء له , فالسكوت علامة الرضى , والعتب كل العتب على الجهات الأمنية الحكومية ماذا تنتظرون أن يصل البسط إلى مقرات الشرط ومعسكرات الجيش حتى تتحركوا؟ أليس منكم قائد رشيد؟ فما تمادى هؤلاء إلا عندما وجدوا غنيمة سهلة وخصبة وتغاض وغض طرف من قبل الكل في المجتمع وصدق الذي قال: من أمن العقوبة أساء الأدب.