نرى في مخرجات حوار الرياض فرصة لنستمد منها الأمل في إيقاف الهدم القيمي والأخلاقي الذي يتمدد أمام ناضرينا، ونحن عاجزين على إيقافه. لم يصبني في سن عمري عفن كهذا العفن من رداءة ما يدور اليوم، وما تصيبنا من سهام الفرز المناطقي والايدلوجي الرديء على موائد الثرثرة، وما يدور فيه من كمائن عسعس الليل، ومن أقرب الناس إليك. صار الرأي، وفق رداءة الثقافة المنتشرة اليوم، يطعن في هويتك وانتماءك السياسي، حتى انتشر الرعب بين أصحاب الرأي، وصار البعض متحفظاً في رأيه أو ومجاملا خوفا من التصنيف والاتهام. مع اغتصاب العقول بكم هائل من الشحن والتغرير، لا يتوقف التصنيف عند حد الوصف، بل يمتد للتحريض، ويصل للحكم وقد يصل لتنفيذ هذا الحكم. المستوعبين للواقع اليوم في معركة حقيقية مع الأوهام التي أنتجها التمادي في تزوير الحقائق، والتطاول على التجارب الانسانية العظيمة، بل التطاول على نضالات الامة، مما أتاح لفاقدي التجربة التطاول على أصحاب التجربة. الثقافة تلد من رحم المجتمع نفسه، ومجتمع فاقد القدرة على إنتاج ثقافة يفقد حتما تاريخه، ونحن اليوم نفقد تاريخنا وعاجزين من أن ننهل من تجاربنا عبر ودروس، مجتمع يردد كالببغاء عبارات واتهامات وتوصيفات خاوية لا معنى لها غير إنتاج عفن ورداءة، ومجتمع متناحر وخصومة فاجرة. نحن اليوم في مواجهه حقيقية في معركة إيقاف الهدم القائم ومبرراته , في معركة مع قوى العنف , وكل ما يستند على العنف والقبيلة , معركة في مواجهة الفساد الذي تنتجه تلك القوى , فساد اليوم يقوم بتخريب عدن , السطو والبسط على الأراضي والمتنفسات , تشويه المعالم والشواهد التاريخية والارث والتراث , بل تدمير كل ما يتعلق بإنتاج العقل والمعرفة , في نكران لجميل هذه المدينة التي انارة العقول , نشرت نور العلم والمعرف في كل بقاع الجنوب اليمني ما بعد الاستقلال , وبعد ربع قرن يزحف الجهل إليها ليدمر كل ما يتعلق بمنابر التنوير فيها , إحراق وتدمير الثروة المعرفية والعلمية والبحثية لمركز البحوث التربوي , جهود سنوات من البحث والتدوين , وتم اعطاب المكتبة الوطنية و وقفها عن أداء دورها التوعوي , نهب مختبرات الجامعة , ونهب وتدمير المتاحف , طمس لبصمات أسلافنا وشهادة تاريخ عدن , صراع غير مبرر في اروقة المدارس , لزج الطلاب في هذا العبث , في اغتصاب عقولهم لخدمة مزاج سياسي معين , يرفض التنوع والاختلاف , ويرسخ ثقافة الكراهية لكل ما يتعلق بالهوية . والنتيجة طفل يرتكب جريمة بشعة , قتل خاله بساطور , من المسئول عن ما وصل إليه هذا الطفل ؟! , خلاف رأي يدفع للقتل واحراق المخالف في سيارته , الى جانب الاغتيالات والتقطعات والسرقة والنهب , والبلد تكتظ بالثكنات العسكرية التي لا أثر لها في ضبط الأمن واستتباب الأمن , ومحاربة الجريمة . أمل الناس في مخرجات الرياض أن تضع الجميع تحت طائلة النظام والقانون، المتمثل بالدولة العادلة دولة المواطنة، والحق لكل شخص أن يختار توجهه السياسي والفكري المنضبط بتلك القوانين والنظم، حق المواطنة والتنقل والمساواة والحرية والعدالة, ولن يتم ذلك سوى تحت مظلة دولة وراية ونشيد وطني , يوحد الجميع لما فيه خير الامة , مع الاحتفاظ بحق الاخرين بتقرير المصير بطريق سلسة تحفظ حق سيادة الوطن وكرامة المواطن , و وقف الهدم القيمي والاخلاقي , لإنتاج دولة ضامنة لهذه القيم . الناس لا تريد شعارات , تريد أن تلتمس واقع عادل , تريد انصاف لكل الضحايا ومحاكمة عادلة للمجرمين، بقضاء عادل ونيابة، الحد من الفرز السخيف المناطقي والطائفي والسياسي، والانهيار القيمي والأخلاقي الذي يبرر للانتهاكات والجرائم، وقف حملات التشوية والشحن والتحريض والدس والفتن، إرساء العدالة الانتقالية لتحقيق عدالة اجتماعية , وقف شتات الهوية والوعي لترسيخ ثقافة التنازع السلبي , وان فرض التنازع نحتاج لضبطه دستوريا وقانونيا لوقف العبث والانهيار , لنكن امة محترمة كسائر الامم.