الراتب الشهري هو مصدر الدخل الوحيد لغالبية منتسبي الجهاز المدني والعسكري في الدولة وهو حق قانوني، ومن الطبيعي والضروري أن تحرص الحكومة أشد الحرص على ضمان استمراره وتسليمه لمستحقيه في وقته المحدد شهرياً، وذلك من منطلق واجبها الوطني والأخلاقي. وفي هذه الأيام الصعبة والظروف المعقدة التي افرزتها الحرب الطويلة، والتي كابد ولا زال يكابد المواطن خلالها مشاكل وتحديات عديدة ومنها كارثة إنهيار قيمة العملة المحلية والتي بدورها أدت إلى حدوث موجة غلاء لافح، جعلت الراتب الشهري لا يفي بصورة كاملة بمتطلبات الحياة المعيشية الكريمة، فما بال الحكومة وفي ظل هذا الوضع الحرج تتعمد في إحداث فجوة أخرى في رواتب الجيش والأمن تخفي فيها مرتبات مستحقة لبضعة أشهر، مع علمها بمدى قساوة ما يعكسه ذلك على حياتهم المعيشية. بعد أحداث السابع من شهر أغسطس 2019م، ومغادرة الحكومة عدن، تعرض العسكريون لصدمة هزت وضعهم المعيشي من جراء توقف صرف رواتبهم، ومصدر عيشهم الوحيد، ليس هذا وحسب بل ما تعرضوا له جعلهم يستعيدوا ذكريات الصدمة الذي اصابتهم في الفترة السابقة والتي ترجع إلى ما قبل عام 2018م، حين توقفت بعض رواتبهم ولم تنتظم عملية صرف الرواتب في سيرها الطبيعي، وقد بلغ مجموع ما استقطعت من رواتبهم المستحقة حينها بنحو ستة أشهر !، لقد مرت عليهم أزمة حقيقية الحقت بهم ضرر فادح، وخلقت لديهم حالة أحباط شديد ومعاناة حادة، وشعور بالغبن، فكل تلك المشاعر المؤلمة والمريرة كانت قد دفنت في أعماق نفوسهم، ولكنها لم تمت فلم يكن في وسعهم التخلص منها وبشكل نهائي، طالما أن هناك مستحقات مالية لستة أشهر لا تزال ضائعة، فلابد لذاكرتهم أن تستعيدها بين الفينة والأخرى. ولم يكن في تصور منتسبي القوات المسلحة والأمن عودة جديدة لصدمة مماثلة في معاشاتهم الشهرية، تضيف معاناة قاسية أخرى وتخلق صراع مرير يخوضوه في سبيل توفير احتياجات المعيشية والمتطلبات الضرورية، بعد الأنتظام والثبات الذي أستمر في عملية إستلام الرواتب، منذ بداية عام 2018م، وإلى ما قبل أغسطس 2019م، فهل كانت تلك الفترة مجرد هدنة لتسكين الألم وتطييب مشاعر الضيق والإذلال التي أكتنفتهم من قبل؟!، ربما يكون ذلك!، ولكن ها هي تلك الهدنة قد انهارت والحكومة قد عادت (وعادت حليمة لعادتها القديمة)، وصوبت سلاحها إلى صدورهم وشنت عليهم حرب المرتبات الثانية، هذه الحرب التي جروحها هي هموم ثقيلة في كيفية توفير لقمة العيش وخسائرها تكمن في تحمّل ومكابدة ديون طائلة. ومما لا شك فيه أن لعودة الحكومة إلى عدن أهمية بالغة لتحريك كثير من الملفات والقضايا المتعثرة، وقد عول عليها العسكريون في معالجة قضية رواتبهم المتأخرة منذ أحداث أغسطس وبصورة سليمة وعاجلة، وحيث إن ذلك لم يكن من باب الإستجابة لمطلبهم الشرعي فقط، بل لكونه يندرج ضمن بنود إتفاقية الرياض والذي كان من أول شروط عودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن هو صرف جميع مرتبات الداخلية والدفاع المتأخرة، ولكنها وللأسف أمعنت في استمرار حرمانهم من استلام جميع رواتبهم المستحقة، وأبقت على أزمة الرواتب جاثمة على صدورهم وكاتمة لأنفاسهم، فهم لم يستلموا منذ عودتها سوى راتب شهر أغسطس ثم شهر سبتمبر، بينما العام المالي يوشك على الانتهاء والحكومة لا تزال تشبعهم بوعود وتصريحات فقط !.