بمجرد جرة قلم، يحاول المجتمع في المملكة العربية السعودية كسر روابط النتيجة بالسبب، وتجاهل سنن الكون في التدرج والنمو، وامتطى جياد الانفتاح الجامح. تحدٍ شجاع حشر علماء الدين في المملكة السعودية في زاوية ضيقة، لا يملكون من أمرهم الّا التفتيش في كتب التراث عن ما يناقض فتاويهم القديمة لعله يشفع لهم بالخروج الى الهواء الطلق. ولكن لا أظن يا صاحب الجلالة أن مرسوماً ملكياً قادرا على نقل المجتمع الى الطور الذي تتمناه دون أن يدفع المجتمع ضريبة النقلة العالية. فالمستوى المجتمعي الذي نراه في الدول المتطورة لم يحدث بضغطة زر، ولم ينزل على المجتمع من أعلى الهرم كما فعلتم، وإنما هو صنيعة المجتمع نفسه، انتجته أسباب معينة عبر زمن ومراحل يصعب تخطيها. كم تمنيت لو أن صاحب الجلالة اكتفى برفع غطاء الابريق بهدوء وترك ماءه يتبخر بفعل الرياح وحدها، فربما يتمكن الشباب من اكتساب بعض القيم الضرورية، ويتعلم مواطن العيب الجديدة ويتقي حالة الانفصام الفردي والمجتمعي الحاصلة اليوم. فلم يخف على المتابع للمهرجانات الرياضية والفنية التي اقيمت في بعض مدن المملكة، السلوكيات المتناقضة التي يسلكها الشباب، فالفتاة تغادر منزلها بلباسٍ ساتر ومقنع لأسرتها، ولكنها تظهر في المهرجان بلباساً آخر، والشاب يحرص على حشمة شقيقته ولكنه لا يتردد بالتحرش بغيرها. وقد بلغت حالات التحرش رقماً مؤلما.
إن سلم التطور له أضلع متعددة، وتخطّي أياً منها له ضريبة يستحال التهرب منها، ولكن هذا لا يعني التراجع عن المشروع الحضاري القائم، في التراجع هو الأسوأ من وجهة نظري. ولكن لابد من الاعتراف أن الحلال والحرام نقيضان وان لكلٍ تفاصيله التي تعزز قناعة المستهدفين بتحليله أو تحريمه. ولذلك فما اصبح حلالاً أو محبباً بين عشية وضحاها بعد سنين من التحريم أو المنع يستدعي ضرورة تعلم التفاصيل الداعمة لذلك، وهذا ما يفتقد له المجتمع السعودي. فلابد من إحداث ثورة ثقافية جديدة تفعل عند الشباب مواطن العيب الجديدة التي لم يكن المجتمع بحاجة تعلمها من قبل. ولابد من تشريع قوانين راقية تحمي الحقوق العامة والخاصة لفرسان جياد الحداثة.