كان " انيس " رجلا مختلفا واستثنائيا بكل المقاييس ، وفي ذكراه لايسعني الا ان اعترف ان المشهد السياسي امسى باهتا وقميئا بغيابه المدوي والمباغت والمبكر . نبتت فلسفته في الحياة على نظريات كان يدهشني وهو يسفكها بلامقدمات ، هو يرى ان اجمل ذكريات الحياة لم تكن مرتبطة بالمال او السلطة او الرغبة ، كان يبصق الافكار ويشيد في خياله المتسع كالمدى عوالم من الالوان والروعة . ويمرر فرشاته برقة لتنسل من بين اضلاعه تراتيل حب الوطن والحرص عليه واستشراف مستقبله . وكان يسخر من الموت دوما ويداعبه .
لئن استكثر القدر علينا وجوده في هذا الظرف العصيب فقد كان كريما حين اتاح له الفرصة ليحمل حقائبه ويرحل الى الاخرة كنيزك عملاق متعاليا على البيئة التي تستهتر بالقيم والمباديء التي يعتنقها
كمشكاة فيها مصباح اسرجت القلب وسلسبيل خالد متدفق تتوضأ الروح بتعاليمه كان انيس ملء السمع والبصر مناضلا ومفكرا وثوريا صرفا يواجه الرداءة ويهزمها وتهزمه الى ان شعر ان الصراع لايحوز على ادنى درجات التكافؤ والضوابط الاخلاقية فاعلن انسحابه المشرف . فلتهطل دموع الليالي الطويلة التي كان يحيي مواتها بصوته الذي لاتوجد نسخة احتياطية له ..وليبكيه كل من اشتاق لابتسامته الخجولة الشبيهة بقطرات الدواء كم اشعر بالفخر انني رافقته لاوقات طويلة وكم يحدوني الامل ان هذا الوطن يستطيع ان ينجب من يصنعون اقداره ويرسمون مستقبله بعيدا عن القوادين والصراصير .. في ذكراه وردة على ضريحه وتعاليم نخبئها في الصدور الملتهبة فتنبض على وقعها الكلمات وتقفز من بين الاوردة رغما عني وعن غيري ..
على حافة الوطن :
الحياة لاتبدأ بالولادة ، بل بالوعي ..ولاتنتهي بالموت بل بانطفاء الروح