كثب اديب عربي* يقول ما معناه(أن وقفة ام كلثوم على خشبة المسرح بثبات ووقار، وجسمها الممتد باستقامة ورأسها المرفوع بشموخ، ولبسها المحتشم،كل ذلك يدل على موقف).. نعم.. موقفها الثابت والراسخ والجدي من الفن، هو وسيلة للتعبير عن قضايا فكرية وثقافية ودينية ووطنية وليس فقط وسيلة للاستمتاع. ولاتزال جوانب عدة امور في شخصيتها الفنية والاجتماعية لم تدرس ولم يتم تحليلها لتبيان عظمتها وكيف وظفت فرادتها للتأثير على الجمهور. حتى يوم وفاتها في 3 فبراير 1975م والى اليوم. ومنذ مطلع الثلاثينات،بدأت ام كلتوم باختيار شعرائها وملحنيها واسلوب وطبيعة اغانيها، واختيارها للشكل الذي تظهر به للجمهور، الفستان المحتشم، تسريحة الشعر الانيقة والوقورة، المكياج الخفيف.. اي الاحتشام والوقار والاناقة. ثم بدأت ام كلثوم تجلس علئ الكرسي اثناء عزف الفرقة الموسيقية للمقدمة الموسيقية لتؤكد بذلك انها تنتمي للجيل الماضي من الرواد ولاتقل عنهم شأنا، وكان الفنان منهم يجلس علئ كرسي وهو يغني الاغنية كلها، ولكن ام كلثوم تقف حين تبدأ في الغناء، للدلالة علئ انها لا تنتمي للجيل الماضي انتماء كاملا.. فهي مطربة جديدة ولديها اشياء فنية جديدة يجعلها مختلفة. كل ذلك كان تكتيكا مدروسا ومخططا له، ولا شك انها استفادت من توجيهات كبار المفكرين و الادباء والشعراء ورجال الصحافة الذين يكونون شلتها. ولم يكن المنديل من ضمن ذلك المخطط، فقد كان امساكها به صدفة، امسكت به في حفلة بمنتصف الثلاثينات، فقبل رفع الستار شعرت بارتباك شديد كعادتها من مواجهة الجمهور فتعرقت كفاها فأخذت منديل احد العازفين لتنشف عرقها وتضغط عليه لتخفف حالة التوتر، ثم تحول ذلك المنديل عند الجمهور والصحافة من مجرد منديل امسكت به مطربة لتنشف العرق في كفيها، الى لمسة جمالية اضافتها ام كلثوم الئ شكلها الجمالي، وتحول الى رمز كلثومي يدل على الرقي الفني شكلا ومضمونا، وتمسكت به ام كلثوم حتى في حياتها الخاصة، وبمرور سنوات اصبح موضة دائمة يمنح شكل المرأة دلالة على الرقي، فأمسكت به سيدات المجتمع والمطربات وممثلات السينما. وقد نجحت ام كلثوم ايما نجاح في التوظيف الفني للمنديل في الشكل والاداء، فهي المطربة الوحيدة التي تمسك منديلا بيدها وهي تغني، وصار المنديل واحدا من عناصر ادائها الراقي، ويزيده تأثيرا على الجمهور وترجمة لمعاني القصيدة واللحن، فهي تطوح بيديها للاعلى عند تصاعد اللحن ويكون من فساد الاداء ان ينخفض صوتها الى الاسفل، فينخفض المنديل، ويصبح المنديل وسيلتها لاحداث قفلة رائعة للتصاعد في اللحن، فحينها تفتح ذراعيها للاعلى يبتعد المنديل عنها ويبدو معلقا فوق رأسها ويرفرف ويهتز كطائر جريح، مما يضيف لاضطرابها الفني قوة في التعبير.. فيزداد الجمهور طربا. رحم الله ام كلثوم -