على الرغم مما مر ويمر به جنوبنا الحبيب من أحداث ونكسات ونكبات، فقد تربينا كجيل جديد ومنذ نعومة أظفارنا على حب شيئاً عظيم أسمه الوطن. وبرغم ما حدث للنسيج الإجتماعي ومنظومة القيم والأخلاق والثقافة الوطنية من تصدع، فإن رغبة البناء والسلام وحاجة الإحساس بالأمان تكمن في قلوب جميع الناس.ننام ونحن نفكر في وطن هادئ ومستقر وآمن ومزدهر يسوده العدل والأمن والرخاء والمحبة والوئام والنظام، ونصحوا على هذا “الوطن الحلم“. وليس بالغريب إننا أصبحنا نفضل عبارة “تصبحون على وطن” بدلاً عن عبارة ” تصبحون على خير”، فالأوطان العزيزة والعظيمة والمستقرة والمزدهرة والغنية بالقيم والأخلاق والعدل والنظام هي الأوطان التي تأتي بالخير. لم يعد سؤال ( ماذا نريد؟) مطروحاً، لأنني جميعا نخبة وعامة رجالاً ونساءاً كباراً وصغاراً أصبحنا نعرف ماذا نريد، وعن أي نوع من الأوطان نبحث ونسعى. . لكننا نحب أن نذكر أنفسنا وإن ننطلق من قول محمد بن عبدالله نبي الله ورسوله: ( تفاءلوا بالخير تجدوه)، كما إنني أفضل دائما الحديث عما نريد ونبحث بدلاً عن الحديث عما لا نريد.
أننا نبحث عن وطن عزيز بقدر عزة أهله. .كريماً بقدر كرمهم. . منبعاً للخير بقدر حبهم للخير. . مصدراً للفضيلة والقيم والأخلاق بقدر مايتمتعون به من أخلاق. . صانعاً للسلام بقدر ما يسعون له. . ناشراً للتسامح الديني بقدر سماحة مدرسته الدينية السوية التي تهذب النفس لا تلك التي تغير الشكل والمظهر. . مرسخاً للتماسك الإجتماعي بقدر تماسك الأسرة والمجمتع فيه، ومعززاً للمثل العليا والمبادئ الثابته.
إن وطننا المنشود والمنظور هو وطناً ذو ثقافة أصيلة وسوية من خلال إحياء تراثنا الثقافي السوي من جانب وبناء الدولة العصرية من جانب آخر في توليفة فريدة خاصة بنا.. ثقافة المروءة ونصرة الحق. . ثقافة نشر الخير ومنع الشر. . ثقافة النفس الكبيرة والكريمة والعزيزة. . ثقافة الإحترام المتبادل بين الناس وخدمة بعضهم بعضاً. . ثقافة إلميل نحو البناء. . ثقافة إتقان العمل. . ثقافة الصدق والأمانة والوفاء بالعهد في الحياة اليومية وفي المعاملات كما تعلمنا من تاريخ أجدادنا وخصوصاً ممن نشروا الدين في بلدان بعيدة. . ثقافة تهذيب النفس والإحسان.
إننا نريد بناء وطناً كبيراً ليس بحجمه ولا بعدد سكانه، بل كبيراً بنشر الخير والفضائل وتعميمها. . كبيراً بترسيخ القيم والأخلاق. . كبيراً ببناء الإنسان وتكريمه وتشجيعه لإستغلال خيرات أرضه الطيبة ونعم الله الكثيرة في الصالح العام. . كبيراً بتوفيره للتعليم والعلم للجميع. . كبيراً بتوفيره للمؤسسات الصحية والخدمية لابناءه والمقيمين فيه. . كبيراً بتوفيره للعلاج لكل مريض وكل من يعاني من ابناءه أو من تواجد على أرضه. . كبيراً بتوفير فرصة للعمل للجميع. . كبيراً بمساندته لكل محتاج من أبناءه و لكل من أحتاج العون على أرضه. . كبيراً بثقافته الدينية السوية والسمحة. . كبيراً بثقافته الوطنية والسياسية التي تضع المصلحة الوطنية والمصلحة العامة هي المبدأ الثابت. . كبيراً بمروءة أهله. . كبيراً بعزة وشموخ أبناءه وأعتزازهم وإفتخارهم بالإنتماء اليه. . كبيراً بحب اهله لتراثهم وتاريخهم. .
إن وطننا القادم هو وطن لا يعبث الناس فيه بالتاريخ والتراث الشعبي والموروث الوطني. . إننا نبحث عن وطن يفتخر فيه الناس بتراثهم وموروثهم الديني والثقافي واللغوي والإجتماعي. . إننا نبحث عن وطناً يساند الضعيف والفقير والسائل والمحروم. . إننا نبحث عن وطناً ينصر المظلوم ويوقف الظالم. . إننا نبحث عن وطنأ تتعاون فيه الناس. . وطناً يتمتع بسلطة الضمائر أيا كان سندها ديناً أو عرفاً أو عقلاً قبل أي سلطة وبأولوية الأخلاق والقيم قبل أي أولوية. .
في كلمات قليلة، إننا نبحث عن وطناً لا يتسع فقط لكل أبناءه فحسب، بل لكل إنسان وزائر يتواجد على أراضيه. . وطناً طيباً يعين الخيَّرين على نشر الخير. . وطناً يستفيد فيه أبناءه من خير هذه الارض الطيبة ليعم الخير الجميع ويتمتع الناس فيه بنعم الله الكثيرة التي وهبهم إياها. . وطناً لا يستخدم فيه الناس خير هذه الارض للصراع السياسي والإجتماعي وفي الحروب والهدم أياً كان شكله أو لونه. . وطناً لا يجد فيه المفسدون في الأرض مجالاً لنشر وممارسة إفسادهم.
اليوم، كل المؤشرات على الأرض تخبرنا بشيئاً واحداً هو أن هذا الوطن المنشود والجنوب المنظور قد أصبح أمراً حتميا لسبب واحد بسيط هو أن أبناء هذا الوطن يريدون بناء وطن. . إنهم يرغبون رغبة جامحة في بناء وطن يكون مصدراً للخير، وهو مايجعلني استخدم عبارة ” الوطن القادم” بدلاً عن ” الوطن الحلم“. . وتصبحون على وطن.